الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منال الشرقاوي تكتب: صمت القلم

منال الشرقاوي
منال الشرقاوي

حين أمسك بقلمي وتبدأ الحروف تتلاحم لتُكوٍن كلمات، ومن ثم  تتناثر الكلمات على ورقي لتغزل سطور وسطور أجمعها بعاطفة لألمس بها القلوب برقة ،أشعر وقتها أنني في وسط عوالم خفية من الأحداث أنقلها بصدق وإحساس فتتشابك أفكاري مع أحاسيسي لتنسج لحنًا يتلامس مع أوتار القلوب.


فبوسع الكلمات أن تمتلك قوةً سحريةً تتجاوز حواجز الزمان والمكان، فتنطق بلغةٍ تفوق حدود التواصل العادي، وتشق طريقها نحو أرواح القرَّاء، متربعةً على عرش التأثير والتأمل، فتتأسس علاقةٌ متينةٌ بين صاحب الكلمات وقارئها، حيث تعكس تلك الكلمات جوهر الذات وتمنح لكل قارئ مساحةً للاندماج والتأمل. لذا، فأنا أترك الكلمات تتجوّل بحريةٍ ما بين قلمي وأوراقي، لتُفتح القلوب لاستقبالها، وتُفتح معها أبوابًا لآفاقٍ لا تعرف الحدود، وهذه هي متعتي الأكبر في الحياة أن يحرك قلمي حياة أشخاص للأفضل ،فقد أكتب كلمة تكون هي الدافع وراء نجاح شخص ، فقد عاهدت نفسي على ذلك ألا يكون قلمي في حياة أي قارىء إلا إضافة وتغيير للأحسن.


قلمي .. كلمة لطيفة، لم أكن أتخيل أن أحرم منها ،نعم .. فلقد مررت بوعكة صحية طلب مني الطبيب على أثرها عدم استخدام القلم ، نظراً لوجود اختناق بالعصب الأوسط في اليد ، لكن لا بأس .. فلا داع لأن تتناثر الكلمات على ورقي لتغزل سطور، كنت أداعب نفسي بهذه الكلمات لأقلل من وطأة الخبر، وأنا دوما أبحث عن الحلول ولا أقف كثيراً أمام المشاكل ،فالكمبيوتر موجود ولوحة المفاتيح قد تساعدني أكثر..
لكن!
ازداد التعب وبعد أسابيع من الأشعات والتحاليل طلب مني طبيب آخر عدم التعرض لضوء الكمبيوتر والمحمول .. والأصعب من ذلك المكوث في غرفة دون إضاءة ، فالنهايات العصبية بقاع العين تحتاج إلى علاج .
وبعد رحلة من التوتر والمصير المجهول وأخذ جرعات مكثفة من العلاج ، بدأت حالتي في التحسن الحمد لله .
لكنها كانت الوقفة الأصعب مع نفسي .. وكان السؤال .. هل هذه الوعكة رسالة ؟


فكل ما يرتبط بالكتابة قد توقف .. أخذ السؤال يراودني أياماً ، وفي الوقت الذي كان علاج الأطباء يجري في دمي وأتماثل للشفاء ، فقد شُفيت من شيء آخر ألا وهو "اعتياد النعم " 
ولذا قررت أن أكتب هذا المقال وأقص تجربة شخصية لأول مرة في حياتي ، وكان قراري بالكتابة عن هذا الموضوع راجعاً لأنني بفضل الله في تماثلي للشفاء ، وإلا ماكنت لأزعج أي شخص بهذا الكلام ، والسبب الثاني لأدعوكم تتعافون من اعتياد النعم ، فالصحة نعمة ، قيامك من السرير كل صباح نعمة ، عملك المرهق نعمة ، أبنائك ومصاريفهم ومشاكلهم نعمة ، أمنك في بيتك ووطنك نعمة ، لن أسترسل في حصر النعم فهي كثيرة، لا تعد ولا تُحصى.


نعم توقفت عن الكتابة لفترة ، لكن الحكاية لم تنتهِ بعد، فما بين صمت القلم وقصة الشفاء من اعتياد النعم ، تداخل الألم والأمل ، لتُولد قصة جديدة تنمو بروح الإصرار ، فالشفاء يولد فنًا لا يُعبَّأ بالحروف المكسورة.
"فالحمد لله على ما كان وعلى ماسيكون" .