الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منال الشرقاوي تكتب: الحداد السري

منال الشرقاوي
منال الشرقاوي

في كون ساحر تتقاطع فيه الألوان والظلال ،يبقى الحداد الداخلي سراً يمر كالريح الهادئة، دون أن يدركه سوى أرواحنا.


فكيف يمكن لقلوبنا أن تحتفظ بأسرارها وأحاسيسها، وكيف يمكن أن تخفي حزنها أو فرحها عن أعين البشر؟


الحدادُ في تلك اللحظات يكمن في تفاصيل الوجود التي لا يُلتفت لها عادةً، كالزهور البرية التي تفتحت لتروي عطش الأرض، أو النجوم التي تتلألأ في السماء وترسم قصصًا من المجد والأساطير.


وفي صمتِ تلك اللحظات، يتأمل الحدادُ الجمال المخبوء في الروتين اليومي، ويستقي منه الإلهام ليخلق عبقريةً بأنامله الساحرة، وهكذا، تبقى مشاعرنا في حداد، تتأمل عبق الذكريات، وتعانق أوجاع الفراق والأمل في اللقاء. 


فنحن نمرُّ بالحياة كأدباءٍ وشعراء، نكتب ملامحنا على أوراقِ الزمن، ولا أحدٌ يدرك أننا نختبئ خلف أشرعة الحزن والفرح، إنهُ ذاك الحداد السرِّيّ الجميل الذي ينسج أحاسيسنا بخيوطِ الوجد والتأمل، ويظل ينبض في أعماقنا، يروي روحنا ويُضيء طريقنا في الظلام.


وفي غمرة تلك الأحاسيس ، يبقى السؤال الذي يراودنا دوماً ، هل الوقت كفيل بإنهاء الحداد؟ أم أنه مجرد شفاء مؤقت يمحو بعض الألم والحزن، ولكن يترك آثاره الخفية في أعماقنا؟


فأنا أرى الوقت، مثل الطبيب الحكيم الذي يحمل في جنباته سرَّ الشفاء، فيمكن للقلب المجروح أن يتداوى به وهنا يهدأ العقل الحزين، فعندما تمر الأيام والأسابيع، تتبدد الأحزان تدريجياً، وتخف وطأة الأحداث الصعبة التي مررنا بها.


لكن في بعض الأحيان، يكون الوقت مجرد مساحة للتداول مع الأحاسيس، وليس بالضرورة أن يكون العلاج النهائي ، فقد يظل الحزن حاضرا في أعماقنا رغم مرور الزمن، حاملاً معه ذكريات ومشاعر لا تنسى، وقد يصبح جزءا من شخصيتنا نحمله معنا.


وقد تكون الإجابة في قلب كل منا، فالحداد يكون له معنى مختلف لكل شخص ولكل تجربة.


فقد يجيد البعض الشفاء التام مع مرور الوقت وتحسن الظروف، بينما يختار آخرون أن يحتضنوا الحداد بكل جوانبه ويمضون به في رحلة لا تنتهي لاستكشاف أعماق أنفسهم.


فالوقت نعمة تعيد لنا السعادة والابتسامة، لكنه يمكن أن يكون أيضا عتبة تجلب ذكريات الماضي الجميلة والتي نعيش معها الألم الذي نرغب في نسيانه ويظل محفورا في وجداننا.


فيستمر الحداد يتراقص معنا في دوامة الحياة، فمن اللحظات الجميلة التي تتوهج بنور السعادة، إلى اللحظات الصعبة التي ترسم أوجاع الفراق والفقدان، يبقى الحداد هو الرفيق الدائم الذي لا يفارقنا.


ولكنني هنا سأنظر لنصف الكوب الممتلىء ، فالحداد يحمل في طياته بعض الفوائد ، فقد حملت أعماقنا تجارب ومواقف نُسجت على خيوط الزمن، تعلّمنا منها الكثير وأعطتنا نكهة الحكمة والنضج ، فبداخله لحظات السعادة حين نستعيد لحظات جميلة من الماضي والتي تجعل قلوبنا تنبض بالفرح، ولحظات الألم التي ترافقنا آثارها طويلاً وتجعلنا أكثر إحساساً بالإنسانية، وأكثر إحساساً بأُناس قد يمرون بظروف صعبة ، فنجد أنفسنا دون أن ندري نحمل لواء التخفيف عنهم والوقوف بجانبهم.


وفي حُلة الحداد، علينا أن نتعلم كيف نكون متفائلين حتى في ظلام اللحظات الصعبة، فنترقب شروق شمس الأمل ، وبينما نبحر في بحر الحياة، علينا نُدرك أن كل يوم هو فرصة للتجديد ولبناء غدٍ أجمل ، وأن لا تستدرجنا أنوار السعادة فحسب، بل علينا أن نتأمل الظلال أيضًا، ففيها تنبت بذور القوة والتجدد.