ما نشاهده من الكيان المحتل والغاصب واضح المعالم والمعاني؛ بأنه لا تتوافر النية لديه للوصول لصيغة تنهي حالة الصراع الدائر والذي ينتوي بإجرامه استكمال مسلسل الدم والجرائم اللاإنسانية وتهجير الفلسطينيين؛ فنرصد صورة الكذب والافتراءات التي تلقى على دول الجوار ومنها مصر كي تستمر حالة الخزي المتمثلة في حرب غير متكافئة بين كيان يمتلك المقومات وشعب أعزل ضعيف لا يملك قوت يومه.
إن ذاكرة الشعوب لن تنسى ما يتجرعه الشعب الفلسطيني الأعزل من مرارة سفك الدماء ومذلة المعيشة والهوان في أرضه وهتك إنسانيته، كما أن أجيال هذا الشعب لن تترك حقها في أن تحقق النصر المبين على هذا المحتل والمغتصب، الذي ألقى بماهية العدل والمساواة والأمن والأمان أدراج الرياح، وحل الغدر والقتل للأطفال والنساء والعجائز التي حرمت الشرائع والأديان والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية المساس بهم.
وقد كان خطاب القيادة السياسية المصرية بقمة المنامة ملهمًا في نصه ومعناه؛ إذ أكد على أنه لا يتساوى مسار السلام والاستقرار والأمل مع مسار الفوضى والدمار الذي يدفع إليه التصعيد العسكري المتواصل في قطاع غزة؛ فتجر المنطقة بكاملها لويلات حرب لا تنتهي، وتتوقف التنمية بكامل تنوعاتها وتتدمر البني التحتية الفوقية ويحل الخراب والدمار فتعيش الشعوب في تعاسة وهوان.
ولا يختلف أحد مع توصيف الرئيس المصري للحرب الدائرة؛ حيث ذكر أنها مأساة كبرى، عنوانها الإمعان في القتل والانتقام، وحصار شعب كامل وتجويعه وترويعه وتشريد أبنائه والسعي لتهجيرهم قسرياً، واستيطان أراضيهم وسط عجز مؤسف من المجتمع الدولي بقواه الفاعلة ومؤسساته الأممية، وبالطبع ستظل في ذاكرة التاريخ قابعة.
وما زال النداء مستمراً وقائمًا تجاه ضمير الإنسانية المتمثل في مسئوليات المجتمع الدولي حيال ما يحدث من تجاوز لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث؛ فما قامت به إسرائيل من جرائم لا تغتفر من قتل وتجويع وتهجير وترويع لأطفال ونساء وكبار سيبقى كما وصفه الرئيس بأنه ستظل حقوقهم سيفاً مُسَلَطّاً على ضمير الإنسانية حتى إنفاذ العدالة من خلال آليات القانون الدولي ذات الصلة.
ومما لا شك فيه أن قمة البحرين ترجمة إرادة الشعوب؛ فقد أكدت أهمية التعاون والتضافر من أجل إنقاذ المنطقة بكاملها من السقوط في هاوية عميقة؛ حيث إن الموقف العالمي بات مترهلًا ومتخاذل ويتبع سياسة المراوغة والكيل بمكيال متنوعة حسب المصالح المشتركة، بل ويلقي بالمسئولية والمساءلة للطرف الضعيف، ويتجاهل الجرائم تلو الجرائم الموثقة ضد الاحتلال الغاشم، وهذا شجع الكيان الإسرائيلي على مزيد من الممارسات المقيتة والقمعية وأخرها أقدامه على تنفيذ عملية الابادة العسكرية المرفوضة في رفح، فضلاً عن محاولات استخدام معبر رفح من جانبه الفلسطيني لإحكام الحصار على القطاع.
إن الشعوب العربية وفي القلب الشعب المصري وقيادته السياسية الرشيدة تتبنى موقفًا ثابتًا وواضحًا تجاه قضيته الكبرى وهي رفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريًا أو من خلال خلق الظروف التي تجعل الحياة في قطاع غزة مستحيلة بهدف إخلاء أرض فلسطين من شعبها.
وقد أكد الرئيس لدعاة السامية والإبادة أنه لا فائدة أو جدوى جراء حروب لا تخلف إلا الخراب والدمار وتوقف مسار النهضة والإعمار وتحض على الكراهية، بل وتورثها لأجيال وأجيال، ولا مصالح تتمخض عنها؛ فسياسة حافة الهاوية لا يمكن أن تُجدي نفعاً أو تحقق مكاسبًا، ومن ثم نرى الدولة المصرية كدولة عظمي تنتهج سياسة السلام والصبر والحلول السلمية في شتى ملفاتها؛ فالحكمة تتطلب الحلم والإمعان وبذل الجهود لتحقيق الغاية المنشودة بعيدًا عن النزاع المسلح.
وبصورة واضحة عبر الرئيس المصري عما يجول في صدور الجميع بوصف دقيق بقوله: إن مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يُمسِك بها دعاة الحروب والمعارك الصِفرية، وإن مصر التي أضاءت شعلة السلام في المنطقة عندما كان الظلام حالكاً وتحملت في سبيل ذلك أثماناً غالية وأعباءً ثقيلة، لا تزال، رغم الصورة القاتمة حاليًا متمسكة بالأمل في غلبة أصوات العقل والعدل والحق لإنقاذ المنطقة من الغرق في بحار لا تنتهي من الحروب والدماء.
ورغم سواد الصورة والمشهد؛ إلا أن الأمل معقود على تعاون العرب في تحقيق الغاية المنشودة وهي انصياع المجتمع الدولي لصوت الحق والعدل وتطبيق النظام الذي يعضد حالة السلم والأمن والاستقرار قبل فوات الآوان، ويترجم ذلك بوضع حداً فورياً لهذه الحرب المدمرة ضد الفلسطينيين الذي يستحقون الحصول على حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧م، والتمتع بكافة حقوقه وممارسة واجباته.
حفظ الله بلادنا وشعوبنا العربية من كل مكروه وسوء.