في تصعيد ملحوظ للمواقف الدولية تجاه السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة، بدأت دول حليفة تقليدية لإسرائيل مثل بريطانيا وأعضاء بارزين في الاتحاد الأوروبي في مراجعة علاقاتها الاقتصادية معها.
جاء ذلك في ظل استمرار الحصار على غزة والتصعيد العسكري الذي أودى بحياة الآلاف، وأدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي.
وتسلط هذه التطورات الضوء على تحول ملموس في نهج عدد من القوى الغربية حيال حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد أشهر من العمليات العسكرية المكثفة والحصار المتواصل الذي ترك أكثر من مليوني فلسطيني في مواجهة خطر المجاعة.
الضغط الأوروبي والبريطاني يتزايد
في لندن، أعلنت الحكومة البريطانية أنها علّقت المناقشات بشأن اتفاقية تجارة حرة جديدة مع إسرائيل، مشيرةً إلى أن "السياسات الصارخة" التي تنتهجها حكومة نتنياهو في كل من غزة والضفة الغربية تشكل عائقًا أمام التقدم. وبيّنت الحكومة البريطانية أنها لا تزال ملتزمة باتفاق قائم، لكنها لم تُخفِ استياءها من استمرار الحصار على غزة، والذي دخل أسبوعه الحادي عشر، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة.
أما في بروكسل، فقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن التكتل الأوروبي سيباشر مراجعة رسمية لاتفاقية التجارة مع إسرائيل. وأكدت أن الغالبية الساحقة من وزراء خارجية الاتحاد أيدوا هذا التوجه، مستشهدة بأحكام الاتفاقية المتعلقة باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، قائلة: "سنُطلق هذه العملية، وعلى إسرائيل في الأثناء مسؤولية السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود".
إنكار الواقع وتحميل حماس المسؤولية
ردّت إسرائيل عبر المتحدث باسم وزارة خارجيتها، أورين مارمورشتاين، الذي قال إن تصريحات كالاس "تعكس سوء فهم تام للواقع المعقد"، مضيفًا على منصة X: "إن تجاهل هذه الحقائق لا يخدم إلا حماس ويشجعها على الاستمرار في حمل السلاح". كما بررت إسرائيل الحصار والإجراءات العسكرية بأنها تهدف إلى الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن المختطفين منذ هجوم 7 أكتوبر 2023.
اتهامات أمريكية وأوروبية بالتطهير والترحيل
تشير تقارير إلى أن إسرائيل تخطط، بدعم أمريكي، لإعادة توطين سكان غزة في جنوب القطاع، مع تحويله إلى معازل خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي وشركات أمنية أمريكية. هذا المخطط أثار موجة استنكار، حيث وصفه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأنه "مقزّز ووحشي وغير مبرر أخلاقيًا"، مؤكدًا أن سفيرة إسرائيل في لندن تم استدعاؤها لإبلاغها رسميًا بأن الحصار "قاسٍ ولا يمكن الدفاع عنه".
كما أكد لامي أمام البرلمان البريطاني أن المجتمع الدولي "يحكم على هذه الأفعال"، محذرًا من أن التاريخ سيحاسب مرتكبيها، في إشارة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية.
الضغوط الأمريكية تتصاعد: استجواب لوزير الخارجية في الكونغرس
في واشنطن، تعرض وزير الخارجية ماركو روبيو لأسئلة حادة من مشرعين ديمقراطيين خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ. وسأله السيناتور كريس فان هولين: "لماذا لم تطلبوا علنًا من حكومة نتنياهو إنهاء الحصار؟". أما السيناتور جيف ميركلي، فسأل ما إذا كانت الإدارة الأمريكية أبلغت إسرائيل بأن "تشجيع الهجرة عبر تجويع السكان غير مقبول". روبيو أجاب بشكل غير مباشر، مؤكدًا فقط أن دخول الغذاء إلى غزة حصل بضغط دولي، بما فيه ضغط أمريكي.
الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تدق ناقوس الخطر
أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستسمح بدخول 100 شاحنة مساعدات يوميًا حتى نهاية الأسبوع، غير أن منظمات الإغاثة اعتبرت هذا العدد غير كافٍ مقارنة بما كان يدخل غزة قبل الحرب – حوالي 500 شاحنة يوميًا. وذكرت الأمم المتحدة أن إدخال المساعدات لا يعني بالضرورة وصولها إلى وجهتها، إذ ما زالت قوافل المساعدات تنتظر لساعات طويلة للحصول على موافقة الجيش الإسرائيلي.
وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، أولغا تشيريفكو، إن العملية العسكرية الأخيرة، "عربات جدعون"، شردت نحو 97 ألف فلسطيني خلال أيام معدودة. ووصفت المشهد قائلة: "الناس يُطلب منهم النزوح، لكنهم يُقصفون من جديد، يهربون بلا شيء، ينامون في الشوارع".
تدهور إنساني غير مسبوق وغياب أفق لوقف إطلاق النار
أعلنت وزارة الصحة في غزة أن عدد القتلى تجاوز 53 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية. كما ذكرت أن مستشفيات مثل كمال عدوان باتت عاجزة عن الاستيعاب، وسط نقص حاد في الكوادر الطبية، وتحوّل المرافق الصحية إلى أهداف مباشرة للهجمات الإسرائيلية.
من جانبها، انسحبت إسرائيل من مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة مع حماس التي تجري في قطر، متهمةً الحركة بعرقلة الاتفاق. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، إن "حماس ستدفع الثمن"، متوعدًا بتوسيع العمليات البرية.
انقسام داخل الاتحاد الأوروبي وتضامن فرنسي متزايد مع غزة
رغم كون الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، فإن اتخاذ قرار جماعي بشأن تعليق الاتفاقيات يتطلب إجماعًا بين الدول الأعضاء، وهو ما لا يزال بعيد المنال بسبب مواقف داعمة لإسرائيل من دول مثل ألمانيا. في المقابل، صعّدت فرنسا لهجتها، إذ صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بأن "الحصار حوّل غزة إلى مصيدة موت"، مضيفًا أن ما تفعله إسرائيل يمثل "انتهاكًا صارخًا لجميع قواعد القانون الدولي".
تكشف هذه التطورات عن تغيّر في مزاج العواصم الغربية تجاه إسرائيل، نتيجة الضغط الشعبي والانتقادات الحقوقية المتزايدة.
ومع ذلك، فإن التأثير الفعلي لهذه الخطوات سيبقى محدودًا ما لم تُترجم إلى سياسات مُلزمة، خصوصًا في ظل استمرار التباين بين أعضاء الاتحاد الأوروبي وتردد الولايات المتحدة في اتخاذ مواقف أكثر صرامة. في المقابل، تواصل إسرائيل تصعيدها العسكري، ما ينذر بمزيد من التصعيد الإنساني والدبلوماسي في الأسابيع المقبلة، وسط غياب شبه كامل لأفق تسوية سياسية قابلة للتنفيذ.
مأساة إنسانية متفاقمة في قطاع غزة
وفي هذا السياق، دعا المفوض العام للهيئة العليا للعشائر المصرية، الدكتور عاكف المصري، إلى تحرك عاجل لوقف المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي والحصار المفروض على أكثر من مليوني فلسطيني.
وشدد المصري خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، على ضرورة فتح كافة المعابر والمنافذ فورًا دون استثناء، لتأمين دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، منتقدًا ما وصفه بـ"الخدعة الإعلامية" المتمثلة في إدخال مساعدات محدودة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الشعب المحاصر.
وثمّن المصري مواقف الدولة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، معتبرًا أن خطابه في قمة بغداد عبّر بصدق عن الموقف العربي الأصيل تجاه القضية الفلسطينية، وأكد على الدور الريادي لمصر في دعم الحقوق الفلسطينية ورفض سياسات الاحتلال.
كما دعا المصري القيادة المصرية إلى قيادة تحرك دولي فاعل لوقف حرب الإبادة الجارية ضد سكان غزة، وإحباط مخطط التهجير القسري الذي وصفه بأنه تهديد مباشر للأمن القومي المصري ومحاولة لزعزعة الاستقرار الإقليمي، مؤكدًا أن الثقة كاملة بالقيادة المصرية في إفشال هذه المؤامرة.
واختتم بتجديد التأكيد على أن أبناء العشائر يقفون في خندق واحد مع أبناء الشعب الفلسطيني في معركة الكرامة والوجود، مشددًا على أن الإرادة الفلسطينية لن تنكسر، وأن صوت المقاومة والحق سيبقى أقوى من آلة الحرب والدمار.