منذ فجر التاريخ، شغلت المذنبات خيال الإنسان، واعتبرها البعض نذير شؤم وآخرون ظاهرة سماوية ساحرة.
لكن واحدًا من هذه المذنبات استطاع أن يخلّد اسمه في كتب العلم والسماء معًا، وهو مذنب هالي، الذي لا يعود ظهوره فقط بالضوء، بل بقصة اكتشاف علمية غيرت فهم البشرية لحركة الأجرام السماوية.
إرث من المشاهدات القديمة:
ظهر مذنب هالي في سماء الأرض مرارًا عبر القرون، ووثقت مشاهداته في سجلات الحضارات القديمة.
أقدمها يعود إلى عام 240 قبل الميلاد في سجلات فلكية صينية، كما شوهد في أوروبا عام 1066 ميلادية ورافق غزو النورمان لإنجلترا، حيث سجل ظهوره على “نسيج بايو” التاريخي.
إلا أن كل ظهور له كان يفسر على أنه مذنب مختلف، ولم يربط أحد بين هذه الزيارات المتكررة.
إدموند هالي.. الفلكي الذي غير قواعد اللعبة:
في القرن السابع عشر، ظهر الفلكي الإنجليزي إدموند هالي، أحد أعمدة الثورة العلمية في أوروبا.
أثناء دراسته لحركة الأجرام السماوية وسجلات المذنبات، لاحظ تشابهًا لافتًا بين مذنبات ظهرت في أعوام 1531، 1607، و1682.
بعد تحليلات دقيقة باستخدام قوانين نيوتن للجاذبية، توصل هالي إلى نظرية جريئة:
“ربما هذه ليست مذنبات مختلفة، بل نفس المذنب يعود كل 76 عامًا تقريبًا.”
التنبؤ الذي أصبح اكتشافًا:
في عام 1705، نشر هالي تنبؤه بأن المذنب سيعود في نهاية عام 1758. وبالفعل، تحقق هذا التنبؤ بعد وفاته، في الموعد الذي حدده بدقة مذهلة، وهو ما أثبت صحة نظريته وغيّر الطريقة التي ينظر بها العلماء إلى المذنبات.
منذ ذلك الحين، اطلق على هذا الجسم السماوي اسم “مذنب هالي” تكريمًا له.
حضور دائم في ثقافات الشعوب:
لم يكتف مذنب هالي بالدور العلمي فقط، بل ترك بصمة ثقافية عميقة.
فقد ألهمت به الأعمال الأدبية والفنية، ورافق ظهوره كثيرًا من الأحداث التاريخية.
في عام 1910، ظهر بشكل قريب من الأرض، وأثار ذعرًا عالميًا بعد أن تداولت الصحف إشاعات حول “غاز سام” في ذيله.
أما ظهوره الأخير فكان عام 1986، وشهد إطلاق عدة بعثات فضائية لرصده، منها المسبار الأوروبي “جيوتو”.
الموعد القادم.. انتظار الجيل الجديد:
من المتوقع أن يعود مذنب هالي إلى الظهور مرة أخرى في عام 2061.