تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة؟ فأنا متزوج بامرأة صالحة، وأحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن يرغب والديَّ بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: ليس من البرِّ طاعة الوالدين في تطليق الزوجة وهدم البيت، ولا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك؛ ما دام أنه لا يوجد مُبرّر شرعي، ولا يُعدّ ذلك من العقوق أو الإثم في شيء، وعليه أن يرفق بهما ويتلطف معهما، ويتحايل بالحكمة في أمره معهما بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يُغْضِب والديه.
ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء
وأوضحت انَّه لا يحق للوالدين أو أحدهما إجبار الأولاد على الزواج ممَّن لا يرغبون بالزواج منه، إلا أنَّه لا منافاة بين ذلك وبين ما منحه الشرع للوالدين من منزلة ومكانة تحتم على الأولاد الطاعة والرعاية على أتم وأكمل وجه، وهو المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛ إذ إن ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء: هو كلّ ما يعود لمنافع الأبوين بحيث يلحقهم ضرر بتفويته، مع عدم الإضرار بمصالح أولادهم الحقيقية، بحيث إذا تعارضت تلك الطاعة فيما يضر بمصالحهم وما لا بد لهم منه من الأمور الحياتية كالزواج والعمل والسكن، فإنه يجب حينئذٍ التلطف مع الآباء وبيان تعذر طاعتهم في ذلك لما يعود من ورائه من ضرر أو مشقة لا يرضونها لأولادهم أصالة.
ضابط عقوق الوالدين وأثره على إنهاء العلاقة الزوجية
واشارت الى أن ضابط العقوق: “أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا من جملة الصغائر، فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمره أو نهيه فيما يدخل فيه الخوف على الولد فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتهم الولد في ذلك، أو أن يخالفه في سفرٍ يشق على الوالد وليس بفرض على الولد، أو في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب، أو فيه وقيعة في العِرض لها وقع”.
هذا، ولَمَّا كان أمر إنشاء الزواج وانعقاده لا يشرع فيه الإجبار من الوالدين، ولا يلزم الأولاد فيه الطاعة إن خالف اختيارُ آبائهم اختيارَهم وميلهم، فكيف يكون لإنهاء الزواج وما يتبعه من انهدامِ بيتٍ وفرقةٍ وشتاتِ أمرٍ وتبعاتٍ مالية كبيرة ونفسية خطيرة أن يلزمهم الشرع بطاعتهم في ذلك، إضافة إلى ما قد يلحق الزوجة من ظلم إن طُلِّقتْ دون وقوع تقصير منها.
أقوال الفقهاء في طاعة الرجل لوالديه في أمر الطلاق
تواردت نصوص الفقهاء على أنه لا يجب على الولد طاعة الوالدين في أمرهما بطلاق زوجته؛ إذ الأصل في الطلاق الحظر لا الإباحة، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا في حال تعذر الحياة الزوجية بين الزوجين، أو ثبوت تضررهما أو أحدهما باستمرارها، ولم يجعل الشرع رغبة الوالدين في تطليق زوجة الابن من المسوغات التي يُبَاح لأجلها الطلاق، كما أنَّ مخالفتهما في ذلك ممَّا لا يُعدّ في العرف عقوقًا، ولا يترتب عليه إثم ولا ذنب.
قال الإمام القرافي المالكي في "الفروق" (1/ 159، ط. عالم الكتب): [فلو كان متزوجًا بمن يحبها فأمره بطلاقها ولو لعدم عفتها، فلم يمتثل أمره لا إثم عليه] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 290، ط. دار الفكر): [(وليعاشرهما بالمعروف) أي بكل ما عرف من الشرع جوازه، فيطيعهما في فعل جميع ما يأمرانه به من واجب أو مندوب، وفي ترك ما لا ضرر عليه في تركه] اهـ.
وقد اعتبر الشافعية أن أمر الوالد لولده تطليق زوجته -دون ضرورة شرعية مبيحة لذلك- هو من الحمق الذي لا يُلتَفت إليه.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 129، ط. المكتبة الإسلامية): [وَحَيْثُ نَشَأَ أَمْرُ الْوَالِدِ أَوْ نَهْيُهُ عَنْ مُجَرَّدِ الْحُمْقِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي أَمْرِهِ لِوَلَدِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 233، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يجب الطلاق إذا أمره به أبوه، فلا تلزمه طاعته في الطلاق؛ لأنه أمره بما لا يوافق الشرع (وإن أمرته به) أي: الطلاق (أمه فقال) الإمام أحمد: (لا يعجبني طلاق)؛ لعموم حديث «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللهِ الطَّلَاقُ»] اهـ.