احتضنت ولاية ألاسكا قمة جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء وصف بأنه اختبار جديد لمسار العلاقات بين واشنطن وموسكو.
وعلى مدار ساعات من المباحثات، تبادل الطرفان رسائل متناقضة بين الرغبة في التهدئة والتأكيد على نقاط الخلاف، بينما بقي الملف الأوكراني محور الجدل الأكبر والعقدة الأصعب دون حلول واضحة.
هاني سليمان: قمة ألاسكا محطة مفصلية بين واشنطن وموسكو.. وغياب النتائج لا ينفي وجود تفاهمات أولية
قال الدكتور هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا تمثل محطة مفصلية، نظرًا لكونها أول اجتماع يجمع رئيسي البلدين منذ عام 2021، ولما تحمله من انعكاسات على مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية وعلى مسار الحرب الأوكرانية.
وأضاف سليمان أن السياق الإقليمي والدولي للقمة يكشف عن ضغوط متزايدة من استمرار الحرب في أوكرانيا دون اختراقات كبرى، وارتفاع كلفتها على كل الأطراف، الأمر الذي دفع واشنطن وموسكو إلى البحث عن تهدئة أو مسار تفاوضي، وأشار إلى أن انعقاد القمة في ألاسكا؛ له رمزية خاصة ترتبط بالقرب الجغرافي من روسيا وتاريخ الولاية قبل بيعها للولايات المتحدة.
وأوضح أن دوافع ترامب تمثلت في اختبار إمكانية وقف إطلاق نار أو تجميد للقتال لتقليل كلفة الانخراط الأمريكي المباشر، مع إبقاء التنسيق مع كييف وحلفاء أوروبا، لافتًا إلى أن تصريحات ترامب عقب اللقاء حول تحقيق “تقدم كبير” تشير إلى رغبته في دفع المسار التفاوضي، حتى وإن جاء ذلك على حساب العمليات الميدانية.
أما بالنسبة لبوتين، فأكد سليمان أن أولوياته كانت كسر العزلة السياسية، وتحسين صورته الدولية عبر قمة تعقد على الأراضي الأمريكية، واستطلاع فرص تخفيف العقوبات أو فتح مسارات اقتصادية موازية.
وأشار إلى أن مظاهر الاستقبال والبروتوكول التي صاحبت القمة، من استخدام السجادة الحمراء إلى الاستعراضات الجوية، حملت رسائل رمزية مقصودة لإظهار الانفتاح، لكنها أثارت في الوقت نفسه انتقادات داخل واشنطن لغياب أي تنازلات روسية ملموسة. كما أن مشاركة وزيري خارجية البلدين، ماركو روبيو وسيرغي لافروف، أكدت أن هناك قناة تفاوضية ستستمر بعد القمة.
وأضاف سليمان أن لغة الجسد بين ترامب وبوتين، وما ظهر من ود وثقة، عكست أن بوتين جاء من موقع قوة، فيما أظهر ترامب ثقة أكبر بفريقه الجديد من خلال تحويل القمة إلى صيغة موسعة “3 مقابل 3”.
وأوضح أن القضايا التي تمت مناقشتها شملت أوكرانيا باعتبارها الملف المحوري، إضافة إلى قضايا العقوبات والاقتصاد والطاقة بصورة غير مباشرة، مشيرًا إلى أن غياب اتفاق معلن لا يعني غياب تقدم، وإنما ربما وجود “تفاهمات أولية” قيد النقاش مع كييف والحلفاء.
وأكد سليمان أن أبرز نتائج القمة تمثلت في غياب اختراق حقيقي، وتأجيل فرض عقوبات أمريكية جديدة على الصين بسبب شرائها النفط الروسي، إضافة إلى طرح فكرة عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، وإن كان لم يتم تحديد موعد أو إطار واضح له.
واعتبر أن بوتين خرج بمكاسب رمزية من حيث كسر العزلة والصورة الإعلامية، بينما تعرض ترامب لانتقادات داخلية بسبب غياب نتائج ملموسة.
وعن المواقف الأوروبية، قال سليمان إن العواصم الأوروبية تعاملت مع القمة بحذر إيجابي، معتبرة أنها خطوة قد تكون مفيدة إذا قادت إلى وقف النار، لكنها في الوقت نفسه تخشى أن يقدم ترامب تنازلات منفردة لروسيا على حساب وحدة الصف الغربي.
وأوضح أن ألمانيا وفرنسا شددتا على ضرورة تنسيق أي مبادرة سلام مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فيما ركزت بروكسل على استمرار الضغط الاقتصادي بالتوازي مع أي مسار تفاوضي.
وأكد أن السيناريوهات المستقبلية للقمة تتراوح بين مسار تفاوضي تدريجي قائم على إجراءات بناء الثقة، أو استمرار الحرب مع الاكتفاء بدبلوماسية الصور، أو حتى انتكاسة سريعة إذا ما اندلع تصعيد عسكري جديد، مشددًا على أن غياب تفاهمات واضحة حتى الآن يبقي جميع الاحتمالات قائمة.