في الوقت الذي يغرق فيه جنوب السودان في أزماته الإنسانية المتفاقمة، من تفشي وباء الكوليرا إلى نقص الغذاء وتزايد النزوح، برزت إسرائيل إلى الواجهة بإعلانها تقديم مساعدات عاجلة للسكان.
خطوة قد تبدو إنسانية في ظاهرها، لكنها سرعان ما أثارت تساؤلات حول أبعادها السياسية، خاصة مع تسريبات تتحدث عن مباحثات لإعادة توطين فلسطينيين في البلاد.
وبينما تُعرض المساعدات كاستجابة سريعة لمعاناة المدنيين، يرى مراقبون أنها تحمل في طياتها أوراقاً دبلوماسية تسعى تل أبيب لاستخدامها لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية وربط الملفات الإنسانية بالملف الفلسطيني.
أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، اليوم الاثنين، عن إطلاق برنامج مساعدات إنسانية عاجلة إلى جنوب السودان، في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي تضرب البلاد.
وأوضحت الوزارة أن الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي "ماشاف"، التابعة لها، ستتولى تنفيذ الخطة تحت إشراف مباشر من وزير الخارجية جدعون ساعر، وذلك استجابة لتفاقم الحاجة الملحة للدعم الإنساني.
وتتضمن حزمة المساعدات تزويد جنوب السودان بإمدادات طبية أساسية لعلاج المصابين بالكوليرا، وأجهزة لتنقية المياه، ومواد وقاية صحية مثل القفازات والكمامات، إضافة إلى مجموعات خاصة للوقاية من انتشار الوباء.
كما تشمل المساعدات توزيع حصص غذائية لدعم السكان في مواجهة الأزمة الغذائية الناتجة عن نقص الموارد وتصاعد معدلات النزوح.
وذكرت الوزارة أن هذه الجهود تتم بالتعاون مع منظمة "إسرائيد" غير الحكومية، الناشطة في جنوب السودان، لضمان إيصال المساعدات بشكل فعال وشفاف.
كما أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر محادثات في القدس مع نظيره من جنوب السودان، مونداي سيمايا كومبا، تناولت تفاقم الوضع الإنساني وتزايد أعداد اللاجئين الفارين من النزاع في السودان وتأثير ذلك على استقرار المنطقة.
وفي سياق متصل، كشفت تقارير إعلامية عن مباحثات إسرائيلية – جنوب سودانية بشأن خطط لإعادة توطين بعض سكان غزة في جنوب السودان، عبر إنشاء مخيمات مخصصة لهم، وذلك في إطار تعزيز التعاون السياسي والإنساني بين البلدين.
كما أشارت المصادر إلى أن وفداً إسرائيلياً يستعد لزيارة جوبا قريباً لبحث هذه الخطط، في حين قام نائب وزير خارجية جنوب السودان بزيارة رسمية لإسرائيل مؤخراً في إطار توطيد العلاقات الثنائية.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة إسرائيل الرامية إلى توسيع حضورها في القارة الإفريقية عبر البوابة الإنسانية، بما يعزز نفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
كما يعتبر آخرون أن ربط المساعدات بمشاريع إعادة توطين فلسطينيين في جنوب السودان يثير تساؤلات سياسية وإنسانية حول الأبعاد الخفية لهذه المبادرات، خصوصاً في ظل استمرار الحرب على غزة.
من جانبها، حذرت منظمات حقوقية من أن أي مخطط لتوطين فلسطينيين خارج أرضهم قد يُعد انتهاكاً للقانون الدولي، مؤكدة أن معالجة الأزمات الإنسانية في جنوب السودان يجب أن تظل منفصلة عن أي ترتيبات سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وطالبت هذه المنظمات بضرورة ضمان شفافية توزيع المساعدات وتوجيهها لخدمة السكان المحليين الذين يواجهون تحديات صحية وغذائية غير مسبوقة.