شهد الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من عام 2025 إنجازًا استثنائيًا أعاد رسم ملامح المشهد الاقتصادي، حيث قفزت الصادرات بنسبة 22% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لتسجل 24.5 مليار دولار.
هذا الرقم ليس مجرد حصيلة تجارية، بل هو مؤشر حقيقي على صلابة الاقتصاد المصري وقدرته على المنافسة في الأسواق العالمية، مدعومًا بإصلاحات هيكلية، ودعم حكومي، ورؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.
قفزة في الأرقام تعكس تعافي الاقتصاد
تُظهر بيانات وزارة التجارة والصناعة أن النمو اللافت في الصادرات جاء نتيجة مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها السياسات الحكومية لتطوير البنية التحتية، وتوفير بيئة تشريعية محفزة، بالإضافة إلى التوسع في الصناعات التصديرية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه القفزة تعكس بداية مرحلة جديدة، يكون فيها الاقتصاد المصري أكثر قدرة على مواجهة التحديات العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق الاستقرار المالي.
تأثير مباشر على حياة المواطنين
لم تعد هذه النجاحات مجرد أرقام في دفاتر الاقتصاد، بل انعكست بشكل ملموس على حياة المواطن المصري، حيث أسهمت زيادة الصادرات في:
توفير السلع الأساسية بأسعار أكثر استقرارًا.
تحسين برامج الحماية الاجتماعية نتيجة توافر موارد إضافية.
ضبط الأسعار وتقليل الاعتماد على الاستيراد المكلف.
زيادة فرص العمل وتحسين مستويات الأجور في القطاعات الإنتاجية.
جذب الاستثمارات الأجنبية بما يخلق فرصًا جديدة للنمو.
الصناعات الكيماوية والبترولية في الصدارة
تصدرت الصناعات الكيماوية والبترولية قائمة القطاعات المساهمة في ارتفاع الصادرات، إذ شكلت المحرك الأساسي لهذه الطفرة.
ويرجع ذلك إلى تطوير خطوط الإنتاج وتحسين جودة المنتجات بما يتماشى مع المواصفات العالمية، مما فتح أبوابًا لأسواق جديدة في إفريقيا وآسيا وأوروبا.
ويشير خبراء الصناعة إلى أن مصر استفادت من كون هذه القطاعات الأسرع نموًا عالميًا، حيث ساهم رفع كفاءة الإنتاج وتبني التكنولوجيا الحديثة في تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية.
إصلاحات هيكلية تمهد الطريق
النمو الكبير في الصادرات لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، ومن أبرزها:
تعديل القوانين بما يشجع على زيادة الصادرات ويزيل العوائق البيروقراطية.
تطوير برامج دعم الصادرات مثل برنامج "رد أعباء التصدير"، الذي ساعد المصدرين على خفض التكاليف.
تسوية المتأخرات المالية للمصدرين لتوفير السيولة اللازمة وتعزيز الإنتاج.
دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات التوجه التصديري، بما أسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية.
هذه الإصلاحات انعكست بشكل مباشر على ميزان المدفوعات، حيث دعمت استقرار العملة المحلية، وساعدت الدولة على توفير السلع الأساسية، ورفعت القدرة الشرائية للمواطنين.
استراتيجية الحكومة.. رؤية حتى 2027
تسير الحكومة المصرية وفق استراتيجية واضحة تهدف إلى توطين الصناعة وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المحلية.
وتركز المرحلة الأولى من هذه الاستراتيجية، الممتدة حتى 2027، على:
زيادة الإنتاج المحلي لخفض الواردات.
تحسين جودة المنتجات لمواكبة المعايير العالمية.
دعم سلاسل الإمداد وتطوير البنية التحتية اللوجستية.
استهداف أسواق جديدة، خاصة في إفريقيا وآسيا، لتوسيع قاعدة التصدير.
رؤية الخبراء: من الأرقام إلى الاستدامة
يؤكد الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن هذه النتائج الإيجابية ليست مجرد أرقام، بل تعكس مسارًا استراتيجيًا جديدًا يعزز صلابة الاقتصاد المصري وقدرته على المنافسة عالميًا.
إصلاحات هيكلية تثمر نتائج ملموسة
يرى الشامي أن التنويع في قاعدة الإنتاج المحلي كان من أبرز العوامل وراء هذا النمو، حيث لم يعد الاقتصاد يعتمد على قطاع أو منتج بعينه، بل توسع في مجالات متعددة أسهمت في تعزيز تنافسية المنتجات المصرية. كما لعبت الاتفاقيات التجارية وتبسيط الإجراءات الجمركية دورًا محوريًا في فتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية.
دعم حكومي وبيئة استثمارية محفزة
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن الدولة أولت اهتمامًا كبيرًا بالقطاع التصديري من خلال تقديم حوافز للمستثمرين، ودعم المصدرين، وإنشاء مناطق لوجستية حديثة ساعدت في رفع كفاءة سلاسل الإمداد وتقليل تكاليف الشحن. هذه السياسات خلقت بيئة تنافسية جعلت من الصادرات المصرية لاعبًا فاعلًا في الأسواق الإقليمية والدولية.
التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة
مع ذلك، يوضح الشامي أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب التوسع في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الصناعات التكنولوجية والهندسية والدوائية. ويرى أن دعم الابتكار وتطوير التدريب الفني للعمالة سيكونان حجر الزاوية في تعزيز استدامة هذه الطفرة التصديرية.
تحديات عالمية تتطلب خططًا مرنة
ورغم هذه النجاحات، يحذر الشامي من أن التحديات العالمية مثل تقلبات أسعار الطاقة وارتفاع تكاليف الشحن قد تلقي بظلالها على وتيرة النمو. لذلك، شدد على ضرورة تبني خطط اقتصادية مرنة قادرة على التعامل مع المتغيرات العالمية، مع مواصلة تطوير البنية التحتية اللوجستية وتوسيع الاستثمارات في هذا المجال.
نحو 50 مليار دولار بنهاية 2025
اختتم الشامي تصريحاته بالتأكيد على أن الوصول إلى 50 مليار دولار صادرات بنهاية العام ليس بعيد المنال، إذا استمرت الدولة في مسارها الإصلاحي وواصلت دعم القطاعات الإنتاجية والتوسع في الأسواق الخارجية. ويرى أن هذا الهدف، إذا تحقق، لن يكون مجرد إنجاز رقمي، بل تحولًا استراتيجيًا يعزز من مكانة الاقتصاد المصري إقليميًا ويجعله أكثر قدرة على مواجهة الأزمات العالمية.
تؤكد قفزة الصادرات المصرية في النصف الأول من عام 2025 أن الاقتصاد الوطني يسير على مسار تصاعدي مدروس.
الإصلاحات التي طُبقت خلال السنوات الماضية بدأت تعطي ثمارها، والنتائج الحالية ليست سوى خطوة أولى في رحلة طويلة نحو بناء اقتصاد أكثر قوة واستدامة.
وإذا ما واصلت مصر نهجها الحالي، فإنها تقف بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة من النمو تعيد رسم مكانتها على خريطة الاقتصاد العالمي.