أثارت خطة مسربة من البيت الأبيض، نشرتها صحيفتا واشنطن بوست والجارديان، موجة من الغضب والانتقادات بعد أن كشفت عن مشروع مثير للجدل يُطلق عليه اسم "ريفيرا غزة". الخطة، التي توصف بأنها برنامج اقتصادي وتنموي ضخم، تتضمن في جوهرها تهجير سكان غزة قسرًا وإعادة هندسة ديموغرافية للقطاع تحت وصاية أمريكية، وهو ما اعتبره خبراء ومنظمات حقوقية محاولة "جنونية" لإخفاء جريمة تطهير عرقي خلف واجهة التنمية.
تفاصيل الخطة المسربة
تشير الوثائق إلى أن المشروع المقترح، المعروف باسم "صندوق إعادة بناء غزة والتسريع الاقتصادي والتحول" أو "الصندوق العظيم"، صُمم ليضع قطاع غزة تحت وصاية الولايات المتحدة لفترة لا تقل عن عشر سنوات. ووفقًا للتسريبات، فقد ساهمت أطراف إسرائيلية في بلورة الخطة، عبر مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، مع إشراف مالي من شركة الاستشارات العالمية مجموعة بوسطن.
المقترح الأكثر إثارة للجدل في الخطة هو "النقل المؤقت لجميع سكان غزة" الذين يزيد عددهم عن مليوني شخص. هذا الطرح اعتبره المراقبون بمثابة تهجير قسري جماعي يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وتنص الخطة على تشجيع الفلسطينيين على مغادرة القطاع "طوعًا" إلى دول أخرى أو مناطق عازلة، مع منحهم "رمزًا رقميًا" يتيح لهم بيع ممتلكاتهم واستثمار العائدات في حياة جديدة خارج وطنهم.
انتقادات واسعة واتهامات بـ"الترحيل الجماعي"
منظمة "ترايل إنترناشونال" الحقوقية، ومقرها سويسرا، كانت في طليعة المنتقدين. مديرها التنفيذي فيليب جرانت وصف الخطة بأنها "مخطط للترحيل الجماعي، يسوق على أنه مشروع تنموي"، مشيرًا إلى أنها تمثل مثالًا صارخًا على جرائم دولية واسعة النطاق تشمل النقل القسري والهندسة الديموغرافية والعقاب الجماعي.
حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية بشأن ما إذا كانت الخطة تعكس سياسة أمريكية فعلية، ما يزيد من الغموض والجدل المحيط بها. غير أن مراقبين يرون أن هذه الخطة تتناغم مع تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب الذي تحدث عن "تطهير غزة" وإعادة تطويرها.
صورة "المدينة المستقبلية" ووعود الاستثمارات
الخطة تقدم تصورًا لمدينة ساحلية ضخمة مزودة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تضم ما يصل إلى ثماني مدن عملاقة محيطة بها. ويشير المخطط إلى أن التمويل لن يكون أمريكيًا مباشرًا، بل من خلال استثمارات خاصة تُقدر قيمتها بنحو 100 مليار دولار.
ومن بين أبرز عناصر المشروع المثير للجدل إنشاء مجمع صناعي يحمل اسم "إيلون ماسك"، يُقام على أنقاض منطقة إيريز الصناعية شمال غزة، والتي كانت إسرائيل قد بنتها سابقًا لاستغلال العمالة الفلسطينية منخفضة الأجر قبل أن تدمرها. كما تتضمن الخطة مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وهو ما يثير المزيد من المخاوف بشأن حقوق السكان وأمنهم الغذائي.
بينما تسوق الخطة نفسها على أنها مشروع لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، يرى مراقبون ومنظمات حقوقية أنها غطاء سياسي لمخطط تطهير عرقي ممنهج يستهدف سكان غزة. ومع غياب موقف رسمي واضح من واشنطن، تبقى هذه التسريبات بمثابة ناقوس خطر يعكس طبيعة الصراعات القائمة حول مستقبل القطاع وحقوق الفلسطينيين.