في مشهد اقتصادي عالمي متسارع، تواصل مصر تعزيز موقعها على خريطة التجارة الدولية، مستفيدة من تنامي شراكاتها مع القوى الاقتصادية الكبرى. وأظهرت بيانات حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الصين تصدرت قائمة الدول العشر الأوائل التي استوردت منها مصر خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، لتسجل وحدها واردات بقيمة 7.2 مليار دولار. هذا التقدم يعكس ليس فقط حجم التبادل التجاري، بل أيضًا التحولات الاستراتيجية في العلاقات المصرية الصينية، بما يحمله من دلالات اقتصادية وسياسية على حد سواء.
الصين في الصدارة.. أرقام تعكس عمق العلاقات
وفقًا للأرقام الرسمية، جاءت الولايات المتحدة في المركز الثاني بواردات بلغت 4.5 مليار دولار، تلتها السعودية بنحو 3.2 مليار دولار، ثم روسيا بحوالي 2.2 مليار دولار. كما شملت القائمة ألمانيا (1.7 مليار دولار)، البرازيل (1.6 مليار دولار)، تركيا والهند (1.5 مليار دولار لكل منهما)، إيطاليا (1.2 مليار دولار)، وأخيرًا إندونيسيا التي بلغت صادراتها لمصر 676.4 مليون دولار.
تؤكد هذه الأرقام أن الصين باتت الشريك التجاري الأبرز لمصر في مجموعة العشرين، لتتفوق بفارق واضح عن باقي الدول.
زيادة في الصادرات المصرية نحو أسواق العشرين
لم يكن جانب الواردات وحده هو ما شهد نموًا، بل ارتفعت أيضًا قيمة الصادرات المصرية إلى دول مجموعة العشرين لتصل إلى 9 مليارات دولار خلال أول خمسة أشهر من 2025، مقابل 8.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، بزيادة قدرها 11.1%.
ويعكس هذا التحسن قدرة مصر على تنويع صادراتها، والاستفادة من الانفتاح على أسواق متنوعة كالصين وأمريكا وأوروبا.
التبادل التجاري في تصاعد
بلغت قيمة الواردات المصرية من دول مجموعة العشرين 28.3 مليار دولار، مقابل 24.9 مليار دولار العام الماضي، بزيادة قدرها 13.5%. ومع ذلك، ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر وهذه الدول لتصل إلى 37.3 مليار دولار مقابل 33 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2024، أي بزيادة بلغت 12.9%.
هذا النمو يبرهن على ديناميكية الاقتصاد المصري وقدرته على التعامل مع التغيرات الاقتصادية العالمية، رغم التحديات المرتبطة بسلاسل التوريد والضغوط التضخمية.
قراءة خبير اقتصادي: الصين شريك استراتيجي لمصر
أكد الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، أن تصدّر الصين لقائمة الدول المصدّرة لمصر خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، بقيمة بلغت 7.2 مليار دولار، يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وبكين، ويبرهن على المكانة التي تحتلها الصين كأحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لمصر في التجارة العالمية.
تنوع الواردات ودعم السوق المصرية
وأوضح الخبير الاقتصادي أن هذا الرقم لا يقتصر على قيمة تجارية فحسب، بل يعبّر عن تنوع كبير في الواردات الصينية، التي تشمل الآلات والمعدات والإلكترونيات والمنتجات الصناعية. هذه السلع تسهم بشكل مباشر في تلبية احتياجات السوق المصرية، وتدعم العديد من القطاعات الإنتاجية، ما ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي المحلي.
استثمارات صينية تعزز البنية التحتية
وأضاف معن أن استمرار الصين في صدارة الشركاء التجاريين لمصر يرتبط أيضًا بزيادة حجم الاستثمارات الصينية داخل البلاد، خاصة في البنية التحتية، والطاقة، والتصنيع. هذه المشروعات لا تساهم فقط في خلق فرص عمل، بل تدعم كذلك توجه الدولة المصرية نحو تعزيز التصنيع المحلي وتوطين التكنولوجيا.
فرصة لتعزيز الصادرات المصرية
وأشار الخبير إلى أن الشراكة الحالية تمثل فرصة كبيرة لمصر لتعزيز صادراتها إلى السوق الصينية الضخمة، بما يحقق توازنًا أكبر في الميزان التجاري، ويعزز موقع مصر كمحور إقليمي للتجارة واللوجستيات في الشرق الأوسط وإفريقيا.
مصر مركز جذب إقليمي
كما شدّد معن على أن تصدّر الصين قائمة الشركاء التجاريين يعكس الثقة الدولية في السوق المصرية، وقدرتها على استيعاب الاستثمارات والتبادل التجاري مع القوى الاقتصادية الكبرى. هذا الواقع يمنح مصر ميزة إضافية في جذب شركات عالمية تتطلع إلى استخدام القاهرة كبوابة إلى الأسواق الإفريقية والعربية.
من خلال هذه الأرقام والحقائق، يتضح أن العلاقات المصرية الصينية تجاوزت إطار التبادل التجاري العابر لتتحول إلى شراكة استراتيجية متنامية. الصين اليوم ليست مجرد أكبر مصدر للسلع إلى مصر، بل شريك يدعم البنية التحتية، يعزز فرص الاستثمار، ويفتح أبوابًا واسعة للصادرات المصرية. وبينما تواصل مصر بناء مكانتها كمركز إقليمي للتجارة واللوجستيات، فإن علاقتها مع الصين مرشحة لمزيد من التعمق، في خطوة قد تعيد رسم ملامح المستقبل الاقتصادي للبلاد.