بعد أكثر من عقد من الغياب، تستعيد الإسكندرية موقعها المحوري على الخريطة الثقافية العالمية بإعلان وزارة الثقافة ومحافظة الإسكندرية عودة بينالي الإسكندرية لدول حوض البحر المتوسط في دورته السابعة والعشرين، المقرر انعقادها في سبتمبر 2026، تحت شعار: "هذا أيضًا سيمر". وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي موسع عُقد بمركز الإبداع بالإسكندرية، بحضور الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والفريق أحمد خالد محافظ الإسكندرية، وعدد من كبار الفنانين والمثقفين وأعضاء اللجنة العليا للبينالي.
بينالي يعود ليصنع الأمل
أكد وزير الثقافة، في كلمته، أن الإسكندرية لطالما كانت مدينة ولدت لتكون حاضنة للعلم والثقافة والفن، ومنذ مكتبتها القديمة وحتى حاضرها المعاصر، ظلت ملتقى للحضارات وميناءً للفكر والإبداع. وأضاف أن عودة البينالي بعد 12 عامًا "تعكس روح المدينة الحقيقية، وتجعل منها معرضًا فنيًا مفتوحًا يخرج من حدود القاعات والمتاحف إلى الشوارع والمباني التاريخية والحدائق العامة، ليشارك فيه الجمهور بوصفه جزءًا من تفاصيله اليومية".
وأشار الوزير إلى أن شعار الدورة "هذا أيضًا سيمر" يحمل رسالة أمل وثقة في قدرة الفن على تجاوز التحديات وبعث الحياة في المستقبل بروح أكثر إنسانية، مؤكدًا أن البينالي – منذ تأسيسه عام 1955 – يُعد ثالث أقدم بينالي عالمي بعد فينيسيا وساو باولو، والأول في العالم العربي وإفريقيا، ما يمنحه خصوصية تاريخية ومسؤولية ثقيلة.
كما وجه الوزير بأن يكون عام 2025 بمثابة عام تمهيدي للبينالي، تُقام خلاله فعاليات متعددة استعدادًا للحدث الكبير في 2026.
رؤية شاملة وامتداد للمدينة
أوضح الوزير أن الدورة الجديدة ستتبنى رؤية شاملة للفن بوصفه "مختبرًا حيًا يُنتج المعرفة ويجدد علاقته بالمجتمع"، مشيرًا إلى أن الفعاليات ستمتد لتشمل المباني التاريخية والحرف التقليدية، بما يمنحها حياة جديدة، إلى جانب دورها في تنشيط السياحة والاقتصاد المحلي.
كما شدد على أهمية الإعلام باعتباره شريكًا أصيلًا في نشر رسالة البينالي وتعزيز تأثيره المجتمعي، قائلاً إن "جماليات الفن لا تحقق قيمتها الكاملة إلا عبر منابر قادرة على إيصالها لوعي المجتمع العام".
الإسكندرية قلب الحدث
من جانبه، أعرب الفريق أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، عن فخره بعودة البينالي، مؤكدًا أن المدينة ستكون حاضرة بقوة لإنجاح هذا الحدث الثقافي الكبير الذي يعكس هويتها ودورها المتجدد كجسر للتواصل بين الشعوب. وأشار إلى أن دورة 2026 ستكون علامة فارقة في المشهد الثقافي المصري والمتوسطي والعالمي، خاصة في ظل اهتمام القيادة السياسية بدعم الحركة الثقافية والفنية كركيزة أساسية في بناء الوعي المجتمعي والحفاظ على الهوية الوطنية.
اللجنة العليا وتعاون دولي واسع
شهد المؤتمر الإعلان عن تشكيل اللجنة العليا للبينالي برئاسة الدكتور وليد قانوش، وعضوية نخبة من الفنانين والخبراء، من بينهم: مصطفى عبد المعطي، محمد طلعت، معتز نصر، حسنة رشيد، أمل نصر، علياء الجريدي، هشام الليثي، جمال حسني، مي الديب، رشيد كامل، أحمد الشابوري، لمياء كامل، هشام الخازندار، وليد عرفة، أمنية عبد البر، سلوى حمدي، علي السعيد، أماني يوسف، ياسمين الغرابلي، ونهى دياب، إلى جانب ممثل عن محافظة الإسكندرية.
وأكد قانوش، رئيس اللجنة العليا ورئيس قطاع الفنون التشكيلية، أن البينالي سيكون حدثًا شاملاً ومجانيًا، يتيح المشاركة الواسعة ويعزز حضور الفن في المجتمع، مع الالتزام بالممارسات البيئية المستدامة. كما أشار إلى أن الإسكندرية تمنح بفضل تاريخها ونسيجها العمراني فرصة استثنائية لاستضافة أعمال فنية تفاعلية تجذب الاهتمام المحلي والدولي.
أما الفنان معتز نصر، قوميسير عام البينالي، فاعتبر إحياء هذا الحدث بعد 12 عامًا مسؤولية كبيرة وفرصة لإعادة الإسكندرية إلى مكانتها المستحقة كمنارة للإبداع، مؤكدًا أن التعاون الدولي مع وزارات الثقافة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وتركيا سيكون ركيزة أساسية لنجاح الدورة المقبلة.
مشاريع متكاملة تعزز الدور الثقافي
لم يقتصر إعلان وزير الثقافة على البينالي فقط، بل شملت زيارته للإسكندرية عددًا من المواقع والمشروعات الثقافية المرتبطة بالحدث:
مبنى فيني التراثي: تفقد الوزير المبنى المملوك للبنك الأهلي المصري والمشيد عام 1907، والذي يخضع حاليًا لأعمال تطوير تمهيدًا لافتتاحه خلال خمسة أشهر كمركز للعروض المتحفية والفنية. وأكد الوزير أن تحويل المبنى إلى مركز ثقافي يُمثل إضافة نوعية للخريطة الثقافية المصرية، ويجسد نموذجًا للتعاون المثمر بين وزارة الثقافة والقطاع المصرفي.
مسرح سيد درويش "أوبرا الإسكندرية": زار الوزير المسرح التاريخي، مؤكدًا أنه شاهد على إسهامات المدينة في الفن والثقافة، وأن استثماره يعزز مكانة الإسكندرية كمركز إبداعي محلي ودولي.
شارع النبي دانيال: تفقد الوزير أعمال تطوير الشارع العريق، وأعلن ضمه لمناطق العرض المفتوحة لبينالي الإسكندرية. وأشاد بالمشروع باعتباره نموذجًا للتكامل بين الحفاظ على التراث والتنمية الثقافية، مشيرًا إلى أن إعادة إحياء الشارع ستعيد له مكانته كوجهة ثقافية وسياحية، خاصة مع إنجازات مثل توحيد لافتات المحال التجارية وإنشاء أكشاك لبيع الكتب بتصميم موحد.
رسالة إنسانية للمستقبل
يأتي بينالي الإسكندرية 2026 ليعكس رؤية الدولة في تعزيز حضور الثقافة والفنون كركيزة أساسية للتنمية الشاملة، وليعيد للمدينة الساحلية بريقها التاريخي كملتقى للحضارات ومركز إشعاع فني وإنساني.
فشعار الدورة "هذا أيضًا سيمر" لا يقتصر على كونه تعبيرًا عن الأمل في تجاوز الصعاب، بل هو رسالة تؤكد أن الفن قادر على تجديد الحياة وبعث الطمأنينة في النفوس، وأن الإسكندرية – بما تحمله من إرث عريق وتنوع حضاري – تظل دومًا قادرة على النهوض والتجدد.
ومع امتداد فعاليات البينالي إلى الشوارع والمباني التاريخية والحدائق العامة، وتكاملها مع مشاريع تطوير التراث، فإن دورة 2026 تعد بأن تكون نقطة تحول تاريخية، تعيد الإسكندرية إلى موقعها المستحق على الخريطة الثقافية العالمية، على غرار ما حققته مدن مثل ليفربول حين جعلت من الفنون قوة دافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.