بناء الإنسان، يُعد الثمرة الرئيسة المرجوة من التعليم؛ حيث يدرك سبب وجوده على الأرض، ويفهم فلسفة الاستخلاف، ويستوعب أهمية الحياة، ويحافظ على مقدراته الخاصة والعامة، ويستمر في البناء والإعمار على الدوام، ويبحث عن حلول لما يواجه من مشكلات، أو تحديات، أو أزمات حياتية؛ ليتغلب عليها، أو يتجاوزها؛ ومن ثم يخرج من محنة لمنح يستثمرها في تحسين معيشته، وتطوير مقومات، تحقق له كرامة العيش، ويكون علاقات عبر تواصل فعال مع ذويه من بني البشر.
ثمرة التعليم نجدها في تمكين الإنسان من أن يمتلك المهارات النوعية، التي يحدث من خلالها تغيرات تعود بالنفع المباشر على المجال الذي ينتسب إليه عطاؤه؛ فنرصد تقدمًا ملموسًا في الصناعة، والزراعة، وصور الاستثمار، والصحة، والخدمات التي تعين الإنسان على العيش، والاستمرارية، والبقاء، في بيئات آمنة، تقيه متقلبات وتموجات المناخ، وتحميه من المخاطر، التي قد يتعرض لها في العراء، كما يمنح الإرادة والمقدرة في الحفاظ على بيئته، وما بها من مقدرات ثمينة.
ثمرة التعليم للإنسان نرصدها في تروية وجدانه باتصافات قيمية نبيلة؛ لينمو على غذاء الفضيلة، ورقي الخلق، الذي نرصده من تعامله مع الآخرين؛ فيستطيع أن يتحاور، ويتناقش ويتبادل الرؤى والخبرات، ويتوافق، ويحترم الآخر وخصوصيته، ويقدم خلاصة فكر إيجابي، يسهم في دعم مناخ العمل؛ ومن ثم يستثمر جهده بصورة قويمة، تشعره بالرضا والثقة بالنفس، وتؤصل لديه فلسفة التفكير الجمعي، الذي نحصد منه نواتج فاعلة الأثر، وتدفعه لمزيد من حب الاستطلاع؛ بغية التعمق في دروب المعرفة وجيوبها المليئة بالنفع.
ثمرة التعليم نراها في تكوين بنى معرفية، تجعل الإنسان على دراية بتاريخ أمجاده، وتسبر فكره في أحداث حاضره؛ ليدرك ما يجري من حوله، ويشارك بفعالية واستيعاب في كل ما من شأنه يعود بالنفع عليه ومجتمعه، ويرسم سيناريو مستقبله المفعم بالأمل والطموح، ويثابر من أجل أن يحقق مستهدفاته المشروعة، ويقدم دومًا المصلحة العامة على الخاصة منها، ويبدى استعدادًا للتعاون مع ذويه ليصلا سويًا للغايات المشتركة.
ثمرة التعليم تكمن في تنمية مهارات التفكير العليا لدى الإنسان، والتي بوظيفيتها يتمكن من استثمار كل ما حوله لصالحه؛ فنراه يتمعن بواطن الأمور، ويمارس التأمل، ويستخلص النتائج، من رحم التجارب، ومجريات الأحداث، ويتفهم العلاقات التي تبدأ بمدخلات معلومة، وعمليات متوالية، تقدم له منتجًا يمكنه أن يقيم أثره؛ ليحسن من ممارساته، ويصل بالتجربة ومزيد منها وبالخبرة المتراكمة لما ينشده، بل، يقدم بكل جرأة على تفعيل التباديل والتوافيق؛ لينظر نتاجات مستحدثة لا تنضب.
ثمرة التعليم نعايشها في الإصرار على بلوغ الهدف، ولو بطريقة المحاولة والخطأ؛ حيث يدرك الإنسان فلسفة المحاولة، التي تغلي من قاموسه ماهية الإخفاق، مهما تعددت الأسباب أو المسببات؛ فلا مستحيل مع صبر، وحلم مقرون بإرادة وعزيمة، يتلوها عمل متواصل، وجهد مضن، يصل من خلاله الفرد لنجاحات متوقعة، أو خارج نطاق توقعه، وهذا يجعله دومًا من أصحاب المنهجية، التي ترتكن على نتاج العلم، ورصانة المعرفة، ناهيك عن وجدان يلهمه المقدرة على استكمال المسيرة، عبر تجديد للطاقة بصورة مستدامة.
ثمرة التعليم نجده في خير يتدفق من إنسان محب للعطاء، يستفيد دومًا من خطئه، ويعدل من سلوكه، ويستبين الحق من الباطل، ويتمسك بالصواب، وينفر ويهجر كل مواطن الشرور وبراثن الظلام، ويسعى دومًا ليعزز من جمال الذات ورقي النفس، ولا يتوقف عن التواصل والوصال؛ من أجل أن يتعايش في سلم ويعيش في سلام ووئام، وتصبح الحياة بالنسبة له سبيلًا لفعل الخيرات، وترك ما لا يتوافق مع طبيعته الراقية.
التعليم ثمراته متجددة، ونتاجه يانع، وعطاؤه مستدام، وقدرته على التغيير خارقة، وجدواه نتلمسها في تكوين مجتمعات، تتكافل، وتترابط بوشائج المحبة والولاء والانتماء لتراب أوطانها، ونزعم أن ما أوردناه جزءً من كل، لا يشمل الإنسان فقط، بل، يتضمن المكون الحياتي بأسره؛ لتصبح الأرض ممهدة في أن تصبح ربوعها متسعًا للجميع.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.