في ظل تصاعد الدعم الدولي لـ القضية الفلسطينية، يشهد العالم تحولا لافتا في مواقف العديد من الدول تجاه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، كخطوة نحو إنصاف الشعب الفلسطيني وتعزيز حقوقه المشروعة.
وتأتي هذه التحركات في وقت تتفاقم فيه الانتهاكات الإسرائيلية، لا سيما في غزة والضفة الغربية والقدس، مما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لترجمة مواقفه السياسية إلى أفعال عملية تنهي الاحتلال وتفتح أفقا لحل عادل ودائم.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور جهاد أبو لحية أستاذ القانون والنظم السياسية، إن يمثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل عدد متزايد من الدول، وآخرها اليوم (بريطانيا وكندا وأستراليا)، خطوة مهمة في مسار تثبيت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن يتعين على بقية الدول التي لم تعترف بعد أن تسلك هذا المسار دعما للشرعية الدولية وإنصافا لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والقانونية، ومع ذلك، فإن هذه الاعترافات، على أهميتها السياسية والرمزية، لن تكون ذات أثر واقعي ما لم تقترن بإجراءات عملية تحمي الفلسطينيين من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ومن سياسات الاستيطان في الضفة الغربية، ومن محاولات التهويد الممنهج لمدينة القدس.
وأشار أبو لحية، أن لقد شكل اعتراف عدد من الدول مؤخرا بالدولة الفلسطينية تأكيدا على شرعية هذا الحق التاريخي والقانوني، ورسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لم يعد يقبل باستمرار الاحتلال الإسرائيلي كأمر واقع، معقبا: "فالاعتراف لا يعد مجرد موقف سياسي، بل هو أيضا وسيلة لتعزيز مكانة فلسطين في النظام الدولي، وأداة لعزل السياسات الإسرائيلية التي تمثل خرقا مستمرا للقانون الدولي، لكن الاعتراف، إذا لم يترافق مع آليات دعم فعلية وضغط سياسي وقانوني، يبقى في حدود الرمزية دون أن يغير من المعادلة على الأرض".
وتابع: "وينعقد اليوم، مؤتمر نيويورك لحل الدولتين برعاية مشتركة من المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن فرنسا برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، وينتظر أن يشكل المؤتمر محطة فارقة نحو بلورة إطار دولي لإعادة إطلاق المسار السياسي الفلسطيني – الإسرائيلي، استنادا إلى إعلان نيويورك الذي سبق أن حظي بدعم واسع في الأمم المتحدة".
وأكمل: "وقد أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن فرنسا ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية خلال هذا المؤتمر أو في سياق الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبار أن الاعتراف خطوة ضرورية لإعادة الأمل في مشروع حل الدولتين".
وأوضح: "تكمن الأولوية القصوى اليوم في وقف حرب الإبادة المستمرة في غزة، التي خلفت مآسي إنسانية غير مسبوقة وصنفت من قبل منظمات حقوقية ووكالات أممية كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وإلى جانب ذلك، يتطلب الوضع تحركا عاجلا لوقف الاستيطان المتصاعد في الضفة الغربية، الذي يقوض وحدة الأراضي الفلسطينية، فضلا عن مواجهة سياسات تهويد القدس الشرقية التي تستهدف طمس هويتها العربية والإسلامية، واستمرار هذه الممارسات يهدد بتجريد الاعترافات الدولية من مضمونها الواقعي ويبقي الشعب الفلسطيني في دائرة المعاناة".
وأردف: "لقد أدركت غالبية دول العالم أن تجاهل القضية الفلسطينية لما يقارب ثمانية عقود لم يسهم في الوصول إلى حل عادل، بل سمح لإسرائيل بترسيخ واقع استعماري استيطاني يتعارض مع القانون الدولي، فبدلا من الانخراط في عملية سلام حقيقية، ما تزال إسرائيل تعتمد على القوة العسكرية وتقتل المدنيين الفلسطينيين بوحشية، في تحد صارخ لالتزاماتها الدولية، وقد كشفت حرب الإبادة في غزة عن الوجه الإحلالي للمشروع الإسرائيلي، وهو ما يشكل انتهاكا فاضحا للمواثيق الدولية كافة، ومن ثم، يصبح الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة تأسيسية ينبغي أن تترافق مع تحركات قانونية على مستوى المؤسسات الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة إسرائيل على جرائمها".
واختتم: "الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، والتي توجت مؤخرا بإعلان بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها الرسمي، إضافة إلى التوجه المرتقب من فرنسا ودول أخرى، تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست غاية في ذاتها، فهي وسيلة لفتح أفق سياسي جديد يربط الشرعية الدولية بالواقع الميداني،
ولتكون لهذه الاعترافات قيمة حقيقية، يجب أن تستكمل بتحركات عاجلة لوقف الإبادة في غزة، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية، وحماية هوية القدس الشرقية، كما أن وضع جدول زمني واضح وملزم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعيدا عن المماطلة الإسرائيلية، يعد شرطا جوهريا لإنهاء أطول صراع شهدته المنطقة وتحقيق سلام عادل يستند إلى قواعد القانون الدولي والشرعية الأممية".
والجدير بالذكر، أن موجة الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية تعبر عن وعي عالمي متزايد بعدالة القضية الفلسطينية ورفض استمرار الاحتلال كأمر واقع.
غير أن هذه الاعترافات، رغم أهميتها، لن تحدث التغيير المنشود ما لم تقترن بإجراءات ملموسة توقف الجرائم الإسرائيلية وتؤسس لمسار سياسي جاد وملزم.
فإن إقامة الدولة الفلسطينية ليست مجرد مطلب سياسي، بل استحقاق قانوني وإنساني يعيد التوازن للمنطقة ويضع حدا لعقود من الظلم والمعاناة.



