كشف صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي لعام 2025 عن خفض تقديراته للنمو العالمي إلى 2.8% خلال العام المقبل و2% في عام 2026، مشيراً إلى أن التوقعات للسنوات الخمس القادمة هي الأضعف منذ عقود.
وأكد التقرير أن البيئة الاقتصادية الدولية لا تزال ترزح تحت وطأة حالة عدم اليقين الناتجة عن تصاعد النزاعات التجارية، وتسارع التحولات التكنولوجية، وتزايد الظواهر المناخية المتطرفة، فضلاً عن تداعيات الصراعات الجيوسياسية المستمرة.
وأوضح الصندوق أن التحدي الأكبر أمام الحكومات يتمثل في تحفيز النمو وتعزيزه، مشدداً على أن الانطلاقة تبدأ من الداخل عبر إصلاحات هيكلية تركز على خفض البيروقراطية، وتوسيع قاعدة المنافسة، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى تبني أنظمة ضريبية أكثر كفاءة وشفافية، وتحسين البنية الرقمية والتنظيمية.
واعتبر أن أي تأجيل لهذه الإصلاحات سيضاعف من تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل.
وأشار التقرير إلى أن الدول منخفضة الدخل تواجه ضغوطاً استثنائية بعد سلسلة من الأزمات الممتدة من جائحة كوفيد-19 إلى الحرب في أوكرانيا، وهي اليوم أمام خيارات صعبة لاستعادة استقرارها المالي والاقتصادي.
وحذّر من أن استمرار الأوضاع الراهنة قد يعيق مسار تقارب مستويات الدخل مع باقي الاقتصادات، مؤكداً أن هذه الدول تحتاج إلى دعم دولي إضافي لمواجهة أعباء الديون الثقيلة وضعف النمو المتوقع.
كما لفت التقرير إلى أن التوترات التجارية المتصاعدة قد تقود إلى مزيد من تراجع النمو على المديين القصير والطويل، مشيراً إلى أن تقلب السياسات وتراجع ثقة الأسواق يمكن أن يتسببا في هبوط أسعار الأصول وزيادة المخاطر المرتبطة بالاستقرار المالي العالمي.
ودعا الصندوق إلى تعزيز التعاون الدولي لإرساء نظام تجاري أكثر استقراراً، إلى جانب تسهيل إعادة هيكلة الديون بما يضمن استدامة النمو ويخفف الأعباء عن الاقتصادات المتعثرة.
وفي رسالتها المرافقة للتقرير، شددت مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا على أن الصندوق نجح خلال العام الماضي في إثبات قدرته على الاستجابة السريعة لاحتياجات الدول الأعضاء، من خلال الإبقاء على حدود مرتفعة للاستفادة من موارده وتقديم دعم مالي كافٍ للدول المتضررة من الأزمات المتكررة.
كما أوضحت أن إصلاحات جوهرية أُدخلت على "الصندوق الاستثماري للنمو والحد من الفقر"، بما يعزز قدرة الصندوق على دعم البلدان منخفضة الدخل مع الحفاظ على استدامة التمويل الذاتي.
وأضافت غورغييفا أن تحديث سياسة الرسوم والرسوم الإضافية خفّض التكاليف على الدول الأعضاء بنحو 12 مليار دولار سنوياً، معتبرة أن هذه الخطوات تجسد التزام الصندوق بالعمل بمرونة وعدالة ومسؤولية، مع الحفاظ على مهمته الأساسية في دعم استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان نمو مستدام طويل الأمد، وتعزيز استقرار الأسعار والنظام المالي العالمي.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأرقام الجديدة التي أعلنها الصندوق تعكس واقعاً عالمياً بالغ التعقيد، حيث تزامن تباطؤ النمو مع اتساع فجوة الديون وارتفاع معدلات التضخم وتزايد الضغوط الاجتماعية.
وأكدوا أن على الحكومات انتهاج سياسات مالية أكثر انضباطاً، مع الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية كمدخل رئيسي لتعزيز الإنتاجية.
كما يشير المحللون إلى أن الدعوة المتكررة لتعزيز التعاون الدولي تضع المجتمع الدولي أمام اختبار صعب، فغياب التنسيق بين الاقتصادات الكبرى قد يفاقم الأزمات بدل حلها.
ويؤكدون أن نجاح المرحلة المقبلة يعتمد على إيجاد مقاربات جماعية لإدارة المخاطر العالمية، بما يوازن بين حماية الاستقرار المالي وتشجيع النمو العادل والمستدام.