قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

كل ما تريد معرفته عن مفهوم البوليمرات الذكية وفوائدها التطبيقية

مركز المعلومات
مركز المعلومات

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "البوليمرات الذكية"، تناول من خلاله ماهية البوليمرات، والفرق بين البوليمرات التقليدية والبوليمرات الذكية، وأنواعها، وتطبيقاتها المختلفة في الطب والصناعة والزراعة.

أشار التحليل إلى أنه في ظل تسارع وتيرة الابتكار، تبرز البوليمرات الذكية كإحدى الركائز الواعدة في إعادة تشكيل ملامح الصناعات، وخاصة التكنولوجية والدوائية. فلم تَعُد البوليمرات مجرد مواد تُستخدم في التغليف أو التصنيع البسيط، بل تحولت إلى أدوات تفاعلية قادرة على الاستجابة للحرارة والضوء والمجالات المغناطيسية؛ مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات دقيقة في المجالات الطبية والإلكترونية والبيئية وغيرها، ويُمهِّد الطريق أمام الصناعات الكيميائية لتبني حلول مبتكرة تُسهم في تطوير منتجات عالية القيمة وتعزز تنافسيتها على المستوى العالمي.

ففي الوقت الراهن، يجد قطاع الكيماويات نفسه أمام تحدٍّ يتطلب طفرة جديدة، بعدما بدأ أداؤه يتراجع في أسواق الأسهم العالمية منذ عام 2022، وذلك عقب عقدين من النمو؛ فعلى مدار العشرين عامًا الماضية، حققت أسهم شركات الكيماويات عوائد تفوقت على عوائد أسواق الأسهم العالمية (Morgan Stanley Capital International – MSCI Index)، وسجل القطاع أفضل أداء له خلال الفترات (2008 - 2011) و(2015 - 2017)، ثم عاد للازدهار مجددًا خلال جائحة كوفيد-19.

فقد حقق القطاع خلال الفترة من 2003 إلى 2021 عوائد سنوية للمساهمين بلغت 11%، وقفزة في العائد على رأس المال المستثمر من 8% إلى 14%، مع نمو إيرادات سنوي ثابت بنسبة 5%. ورغم هذا الأداء القوي، دخلت الصناعة في مرحلة من التحديات المتزايدة؛ إذ بدأت أسهم الكيماويات في التخلف عن ركب أسواق رأس المال العالمية، في الوقت الذي واصلت فيه قطاعات أخرى -خاصة قطاع التكنولوجيا- صعودها، ويُعزى هذا التراجع بشكل جزئي إلى تراجع الأسهم الصينية الكيماوية بنسبة 12% سنويًّا، فضلًا عن صعود أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة.

وفي ضوء هذه التحديات يتطلع العالم إلى موجة جديدة من الابتكار وإحداث تغيير ثوري في صناعة الكيماويات لتلبية احتياجات المجتمعات العالمية سريعة التغير، والاستفادة من الطفرات التكنولوجية المتلاحقة. ويدعم ذلك التوجه تطور سلوكيات السوق؛ حيث أصبح المستهلك أكثر وعيًا بقضايا الاستدامة، ويبحث عن بدائل صديقة للبيئة لتحل محل المواد الاصطناعية التقليدية الملوثة للبيئة. وتُعَد البوليمرات الذكية إحدى ركائز الابتكار التي تعيد تشكيل الصناعة وتتماشى مع الاستدامة البيئية.

أوضح التحليل أن البوليمر هو مادة تمتلك بنية جزيئية كبيرة مكوَّنة بالكامل من حلقات أو سلاسل تحتوي على العديد من الوحدات المتكررة التي تسمى (المونومرات). وتُستخدم البوليمرات الطبيعية والصناعية على نطاق واسع في مختلف الصناعات بفضل تنوع خصائصها كصناعة البلاستيك والمنسوجات وغيرها. فتُعد المواد البلاستيكية نوعًا من البوليمرات مضافًا إليها بعض المواد الأخرى، وتُستخدم المواد البلاستيكية على نطاق واسع في صناعة التعبئة والتغليف نظرًا لسهولة تشكيلها.

كما تشير البوليمرات التقليدية إلى سلاسل جزيئية طويلة مكوَّنة من وحدات متكررة (مونومرات)، وتتميز هذه المواد بانتشار استخدامها نظرًا لما تتمتع به من متانة ومرونة وتكلفة منخفضة، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على الاستجابة الفعالة للتغيرات البيئية. ومن الأمثلة على البوليمرات التقليدية: البولي إيثيلين (PE) ويُستخدم في صناعة الأكياس البلاستيكية والعبوات، والبولي بروبيلين (PP) وهو شائع في تعبئة المواد الغذائية والمنسوجات، والبولي فينيل كلوريد (PVC) الذي يدخل في صناعة الأنابيب والكابلات.

تتميز البوليمرات الذكية والمعروفة أيضًا باسم البوليمرات المستجيبة للمحفزات، بقدرتها على الاستجابة للمحفزات الخارجية، وذلك عن طريق حدوث تغيرات في خصائصها استجابةً لهذه المحفزات؛ فتستطيع هذه البوليمرات تغيير سلوكها الفيزيائي أو الكيميائي عند مواجهتها لمحفزات خارجية مثل: درجة الحرارة، والقوة، والمجالات المغناطيسية/ الكهربائية. فعلى خلاف البوليمرات التقليدية، تُظهر البوليمرات الذكية سلوكًا ديناميكيًّا؛ مما يجعلها ذات قيمة عالية في التطبيقات التي تتطلب القدرة على التكيف والدقة العالية. كما أن بعض البوليمرات الذكية صُممت لتحقيق الاستدامة؛ حيث تتحلل في ظروف محددة لتقليل النفايات، في حين يُسهم العديد من المواد البلاستيكية التقليدية في التلوث؛ لأنها غير قابلة للتحلل الحيوي.

وبلغت قيمة سوق البوليمرات الذكية العالمية نحو 5.41 مليارات دولار أمريكي في عام 2024، مسجلةً نموًّا بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 9.51% منذ عام 2019. ومن المتوقع أن تنمو السوق لتصل إلى 10.21 مليارات دولار في عام 2029 بمعدل 13.5%. كما أنه من المتوقع أن تنمو السوق بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.24% اعتبارًا من عام 2029، لتصل إلى 19.02 مليار دولار في عام 2034.

تتميز البوليمرات الذكية باحتوائها على أنظمة استجابة تمكِّنها من تغيير خصائصها بشكل ملحوظ عند تعرضها لمحفزات خارجية، فتؤثر هذه المحفزات على سلاسل البوليمر بطرق مختلفة، مثل: تعديل درجة المحبة للماء (الترطيب)، أو الشكل، أو القابلية للتحلل، أو كسر الروابط الكيميائية؛ مما يؤدي إلى تغيُّر في البنية والسلوك الفيزيائي للمادة. وتنقسم المحفزات إلى ثلاثة أنواع رئيسة وهي:

- المحفزات الفيزيائية: مثل الحرارة، أو الضوء، أو الكهرباء، تؤثر على حركة سلاسل البوليمر؛ مما ينعكس على شكل المادة أو مرونتها.

- المحفزات الكيميائية: مثل درجة الحموضة (pH)، أو القوة الأيونية (تركيز الأملاح)، أو حالات الأكسدة والاختزال، تؤثر على تفاعلات البوليمر مع المذيب أو مع بوليمرات أخرى.

- المحفزات البيولوجية: مثل الإنزيمات، أو الجلوكوز، ترتبط بوظائف داخل الجسم؛ مما يجعل هذه البوليمرات مثالية للاستخدامات الطبية، كأن تطلق الدواء فقط عند الحاجة.

أشار التحليل إلى أن البوليمرات الذكية تُستخدَم في الوقت الراهن على نطاق واسع في مجالات عديدة، كالطب، والصناعات الكيميائية، والتقنيات الحديثة، ومجال السيارات. فمجالات تطبيق البوليمرات المستجيبة للمحفزات تكاد تكون غير محدودة.

وكشف التحليل عن إحدى الابتكارات الحديثة والمبتكرة في مجال استخدام المواد الذكية في الطب، وهو تطوير بوليمر ذكي يستجيب للضوء، وقد تم تصميمه خصوصًا لعلاج سرطان الثدي. هذا البوليمر يعمل كـ"ناقِل ذكي" يمكنه توصيل الجينات أو الأدوية المضادة للسرطان إلى داخل الخلايا المصابة، ثم إطلاقها عند تعرُّضه للضوء في المنطقة المستهدفة. عندما يتعرَّض هذا البوليمر للضوء، تحدث تغييرات في شكل جزيئاته (تفتح أو تغلق الحلقات الكيميائية)، وهذا التغيير يسمح له بإطلاق الدواء الموجود بداخله في الوقت والمكان المناسبين داخل الجسم. هذا النوع من البوليمرات الذكية يُتيح تحكمًا دقيقًا في توقيت إطلاق الدواء ومكانه؛ مما يقلل من الآثار الجانبية للعلاج ويزيد من فعاليته.

أشار التحليل إلى أن تطوير شريط لاصق طبي ذكي من نوع هيدروجيل، يُعَد من الابتكارات الواعدة في علاج إصابات الأعصاب الطرفية دون الحاجة إلى الغرز الجراحية التي قد تُسبب أضرارًا إضافية، ويمتلك هذا اللاصق الحيوي قدرة على الالتصاق الفوري بالأعصاب التالفة؛ مما يُتيح توصيل النهايات العصبية المقطوعة بطريقة دقيقة وآمنة دون تدخل جراحي. وقد أظهر هذا البوليمر أداءً ممتازًا في دعم التئام الأعصاب؛ ما يفتح آفاقًا جديدة في الطب التجديدي، ويقلل من مضاعفات العمليات الجراحية التقليدية، كما أن البوليمرات الذكية تُعَد من التقنيات الحديثة الواعدة في مجال طب الأسنان؛ نظرًا لقدرتها على التفاعل مع التغيرات التي تحدث في بيئة الفم.

وفي القطاع الصناعي، أحدثت البوليمرات الذكية نقلة نوعية في مجال الاستشعار والحماية. فتُستخدم المواد البوليمرية الذكية في تصنيع أنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار والمشغلات والموصلات وغيرها. ويُمكن استخدام أجهزة الاستشعار للكشف عن المواد الضارة، مثل: الغازات (أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد النيتروجين، والأمونيا، وكبريتات الهيدروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وغيرها)، وأيونات المعادن الثقيلة (الزئبق، والرصاص، وغيرهما)، والمبيدات الحشرية، والمركبات العضوية المختلفة، والتحكم في تركيزها في البيئة.

وتشير التطورات الحديثة في مجال البوليمرات الذكية إلى إمكانات واعدة في استرجاع المعادن الثمينة؛ على سبيل المثال: تم تقديم هلام كربوني قادر على التقاط أيونات الفضة بكفاءة عالية من الأوساط المائية، خاصة عند درجات حموضة معينة. كما تم تطوير هلام فلوري قادر على استخلاص البلاتين من نفايات السيارات بكفاءة عالية ونقاء يصل إلى 96%، وهو إنجاز مهم في إعادة استخدام الموارد النادرة.

وعن فصل الماء عن الزيت باستخدام طلاء ذكي: فقد طُورت مادة بوليمرية يمكنها التفاعل مع الضوء ودرجة الحموضة؛ مما يجعلها قادرة على فصل الماء عن الزيت بفعالية، وهو تطبيق مهم في حالات التسربات النفطية في البحار والمحيطات أو معالجة المياه الصناعية.

كما تُستخدم البوليمرات الذكية في الزراعة لتحقيق استخدام أكثر كفاءة للمياه والعناصر الغذائية، خاصة في ظل التوجه نحو أنظمة الزراعة المستدامة. ومن التطبيقات المهمة لهذه المواد، تطوير هلامات بوليمرية قادرة على الري الذاتي وتحرير المغذيات بشكل تدريجي. فعلى سبيل المثال، تم ابتكار نوع من الهلامات الذكية يعمل بتقنية الاستجابة للظروف البيئية اليومية؛ حيث يمتص بخار الماء من الجو خلال ساعات الليل، ثم يطلق هذا الماء إلى التربة في النهار، إلى جانب إطلاق مركبات مفيدة للنباتات مثل كلوريد الكالسيوم. وتساعد هذه الخاصية على ترطيب التربة تدريجيًّا؛ مما يُحسن امتصاص النبات للماء والأسمدة ويُقلل من الفاقد.

وأشار المركز إلى أن البوليمرات الذكية تمثل نقطة تحول حقيقية في مسار تطوير المواد الحديثة، خاصة في ظل التحديات البيئية المتزايدة. فبفضل خواصها التكيفية، أصبحت هذه البوليمرات قادرة على إطالة عمر المنتجات، وتقليل الفاقد الصناعي، والمساهمة في تطوير حلول صديقة للبيئة كالمواد القابلة للتحلل الذاتي، والأنظمة الذكية لإطلاق الدواء، والمواد المستجيبة التي تقلل من استهلاك الموارد والطاقة. ومن خلال استخدامها في التطبيقات الصناعية والطبية والبيئية، تسهم البوليمرات الذكية في تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري، وتدعم جهود الحد من التلوث وخفض الانبعاثات؛ بما ينسجم مع أهداف الاستدامة العالمية.