كشفت وثيقة مسربة، اطّلعت عليها هيئة الإذاعة الأسترالية، ملامح خطة دولية مؤقتة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، تتضمن تشكيل هيئة انتقالية باسم "السلطة الدولية الانتقالية لغزة" (GITA) بإشراف مجلس يضم شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وذلك ضمن مقترح أوسع صاغه معهد توني بلير للتغيير العالمي وأسهم في بلورة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المؤلفة من 20 نقطة.
وبحسب الوثيقة، سيضم المجلس من 7 إلى 10 أعضاء بينهم مليارديرات بارزون مثل المصري نجيب ساويرس والأمريكي مارك روان، إضافة إلى الحاخام السابق أرييه لايتستون، مع اشتراط وجود ممثل فلسطيني واحد على الأقل يُختار من قطاعَي الأعمال أو الأمن. كما يمنح المقترح المجلس سلطة سياسية وقانونية عليا، ويترأسه مسؤول تنفيذي كبير مدعوم بفريق من 25 شخصًا وقوة أمنية خاصة لحماية القيادة.

وتوضح الخطة أن المجلس الدولي يشرف على خمسة مفوضين يتولون ملفات إنسانية وقانونية وأمنية وتشريعية وإعادة إعمار، فيما تبقى "السلطة التنفيذية الفلسطينية" في أدنى التسلسل الهرمي لتقديم الخدمات، بما في ذلك تشغيل الشرطة المدنية، والرعاية الصحية، والتعليم.
كما يتضمن المقترح إنشاء "هيئة لتشجيع الاستثمار والتنمية الاقتصادية" تتولى جذب رؤوس الأموال الخاصة وإدارة محافظ استثمارية، إلى جانب مرفق مالي لتلقي المنح الدولية، مع تقدير التكلفة التشغيلية بنحو 388 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الأولى، بينها 27 مليون دولار لمجلس الإدارة.
إلا أن الوثيقة أثارت جدلاً واسعًا، إذ يرى منتقدون أن الخطة تهمّش الفلسطينيين وتمنح السلطة الفعلية لأجانب تدفعهم "مصالح رأس المال"، معتبرين أنها تفتقر إلى التشاور مع القيادات الفلسطينية وتُبقي مستقبل القطاع غامضًا بعد المرحلة الانتقالية.
في المقابل، أشاد توني بلير بالخطة واصفًا إياها بأنها "جريئة وذكية"، مؤكدًا أنها قد تُنهي الحرب وتوفر إغاثة عاجلة لسكان غزة، مع ضمان أمن إسرائيل وإطلاق سراح الرهائن.
ورغم ما تحمله الوثيقة من وعود بإعادة الإعمار وفتح أفق اقتصادي جديد، يبقى مصيرها مرهونًا بمدى قبول الفلسطينيين لها، وقدرتها على تلبية تطلعات سكان غزة الذين يعيشون واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي وقت سابق، قالت السياسية الأمريكية إيرينا تسوكرمان، محامية الأمن القومي الأمريكي، في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد"، إنه من شبه المؤكد أن حركة "حماس" سترفض الخطة الأمريكية بصيغتها الحالية، مشيرة إلى أن هذا الرفض يستند إلى قناعات أيديولوجية وحسابات سياسية في آن واحد.
وأوضحت تسوكرمان أن العقيدة التأسيسية للحركة قائمة على مبدأ المقاومة لا على التسوية، وأي اتفاق يتضمن الاعتراف بدوام إسرائيل أو التخلي عن خيار الكفاح المسلح يتناقض مع ميثاقها وسرديتها العلنية.
القدس في قلب الاعتراضات
وأضافت أن "حماس" تستمد شرعيتها من تقديم نفسها باعتبارها المدافع عن الحقوق الوطنية، وبالتالي فإن أي خطة تُطرح برعاية أمريكية وبدعم إسرائيلي ستُصوَّر على أنها امتداد للاحتلال.
وتابعت أن قضية القدس ستظل في قلب الاعتراضات، إذ تعتبر "حماس" أن القدس بكل أجزائها أرض إسلامية لا يجوز تقسيمها أو التفاوض بشأنها، ما يجعل أي تسوية تنتقص من السيادة الكاملة عليها غير مقبولة.
نزع السلاح خطا أحمر
وأوضحت السياسية الأمريكية أن البند المتعلق بنزع السلاح يُمثل "خطاً أحمر" للحركة، فسلطتها في غزة قائمة على ترسانتها العسكرية، والتخلي عنها يعني فقدان قوة الردع وأوراق التفاوض، وهو ما يُعد بمثابة انتحار سياسي.
رفض الاعتراف بإسرائيل
وأضافت تسوكرمان أن الاعتراف بإسرائيل يمثل عقبة أيديولوجية أساسية، إذ رغم قبول "حماس" في أوقات سابقة بوقف إطلاق نار طويل الأمد، فإنها لم تتخل يوماً عن هدف "تحرير فلسطين التاريخية".
الجانب الاقتصادي
وقالت إن الحوافز الاقتصادية التي تضمنتها الخطة ستُعتبر من جانب الحركة محاولة لـ"شراء الصمت"، معتبرة أن المساعدات الغربية أدوات للتطويع السياسي، وهو خطاب يلقى صدى عميقاً لدى الشعب الفلسطيني.
الوسطاء الغربيون.. موضع ريبة
وتابعت أن وجود وسطاء غربيين مثل توني بلير أو الدور الأمريكي المركزي سيزيد من شكوك "حماس"، ما يدفعها للمطالبة بضمانات جديدة ليس بهدف التسوية، بل لكسب الوقت مع الإبقاء على خطاب المشاركة الشكلية.
وفي ضوء ما تشهده المنطقة من توتر وتصاعد للأزمات، يظل مصير الخطة الأمريكية موضع تساؤل، خاصة في ظل غياب توافق فلسطيني داخلي وانقسام الرؤى بين مختلف الفصائل. ورغم أن واشنطن تروّج للمبادرة باعتبارها فرصة لتحقيق السلام والاستقرار، إلا أن طريقها محفوف بعقبات تتعلق بالقدس واللاجئين ونزع السلاح، وهي قضايا تمثل جوهر الصراع منذ عقود.
وفي الوقت ذاته، يعيش أكثر من مليون فلسطيني في قطاع غزة تحت ظروف إنسانية صعبة، بين حصار طويل الأمد وبنية تحتية متهالكة وأزمات معيشية متفاقمة. لذلك، فإن أي خطة لا تأخذ في الاعتبار الواقع اليومي للسكان، ولا تضع حلولاً عملية لاحتياجاتهم الأساسية، ستبقى بعيدة عن إقناع الشارع الفلسطيني بجدواها.