قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

المغرب بين بريق المونديال وأزمة الشارع| جيل جديد يصرخ الصحة أولا.. وخبير يفسر سر مظاهرات زد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يشهد المغرب منذ أيام حراكًا اجتماعيًا لافتًا، هو الأوسع والأكثر زخماً منذ احتجاجات 2011. يقوده جيل جديد من الشباب المعروف إعلامياً بـ"جيل زد"، الذين خرجوا إلى الشارع بشعار بسيط لكنه صادم: "مبغيناش كأس العالم.. الصحة أولاً".

هذه الاحتجاجات التي انطلقت سلمية قبل أن تتحول إلى مواجهات عنيفة في بعض المدن، وضعت الدولة أمام سؤال جوهري.. هل الأولوية لبناء الملاعب وتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، أم لإصلاح القطاعات الحيوية التي تلامس حياة المواطن اليومية، وعلى رأسها الصحة والتعليم؟

أزمة أولويات وليست أزمة حدث

ويؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد، أن ما يجري في المغرب ليس مجرد غضب مرتبط بتنظيم كأس إفريقيا 2025 أو كأس العالم 2030، بل هو انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بترتيب الأولويات الوطنية. فالشباب اليوم يطالبون الدولة بمعادلة واضحة: التنمية ليست ملاعب ومشاريع ضخمة فقط، بل مستشفيات، مدارس، وفرص عمل تحفظ الكرامة.

بعد اجتماعي وسياسي جديد

الحراك الحالي يختلف عن موجة 2011. فالشباب هذه المرة أكثر تنظيمًا، يستندون بقوة إلى وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتعبئة السريعة وتوحيد الخطاب.

وهذا الجيل يتقن فن صناعة الشعارات المؤثرة التي تنتشر بسرعة عبر الفضاء الرقمي، وهو ما يمنح الحركة زخماً أكبر ويجعلها أكثر خطورة من حيث الانتشار الأفقي بين المدن والمناطق.

وتبرز في هذا السياق الفجوة القديمة الجديدة بين "المغرب النافع" حيث تتمركز التنمية في المدن الكبرى، و"المغرب غير النافع" حيث يعاني سكان القرى والهامش من نقص الخدمات وفرص العيش الكريم.

الدولة بين الأمن واحتواء المطالب

ورد الدولة جاء على شكل معادلة مزدوجة.. تأكيد على حماية الأمن العام من جهة، وضبط الاحتجاجات ضمن إطار "السلمية والحرية" من جهة أخرى.

لكن الأرقام تكشف حجم التعقيد: إصابة 263 عنصر أمن و23 مدنيًا، وتخريب ممتلكات عامة وخاصة، مما يضع السلطات أمام معضلة حساسة. كيف يتم الفصل بين الاحتجاج المشروع الذي يكفله الدستور، وبين أعمال العنف التي قد يندس فيها طرف ثالث أو تتحول إلى حالة فوضى؟

المخاطر المستقبلية

ويحذر الخبير نبيل السيد، من أن تجاهل المطالب الأساسية للشباب قد يكون مكلفاً. فالصحة والتعليم والتشغيل ليست مجرد شعارات، بل ملفات تمس جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع.

واستمرار ضخ مليارات الدراهم في مشاريع الملاعب والفنادق قد يمنح المغرب صورة دولية براقة، لكنه لن يُقنع الشارع الغاضب إذا لم يقترن بتحسين ملموس في حياة الناس اليومية. وهنا يكمن خطر فقدان الثقة في المؤسسات، وهو ما قد يفتح الباب أمام موجات احتجاجية أشد وأوسع.

فرص الإصلاح والحوار

ورغم قتامة المشهد، يرى الخبير أن الأزمة تحمل في طياتها فرصة تاريخية. إذ يمكن للدولة أن تحول الاحتجاجات إلى لحظة مراجعة وطنية شاملة.

وإطلاق حوار وطني يشارك فيه الشباب، النقابات، والمجتمع المدني قد يكون مدخلاً لتخفيف الاحتقان. لكن الحوار وحده لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع خطة عاجلة لإصلاح المستشفيات، تطوير التعليم، وتوفير فرص عمل للشباب الباحث عن الأمل.

فإنها لحظة اختبار حقيقية للحكومة: إما أن تستثمر الغضب الشعبي كفرصة لإعادة ترتيب أولوياتها، أو أن تواجه خطر انفجار اجتماعي أكبر في المستقبل.

فما يرفعه الشباب المغربي اليوم من شعار "الصحة أولاً" ليس رفضاً لكرة القدم أو للتظاهرات الرياضية، بل هو رفض لتحويل التنمية إلى مجرد مشاريع "واجهة" تخفي هشاشة الواقع الاجتماعي.
الجيل الجديد لا يريد ملاعب عملاقة تعكس صورة حضارية فقط، بل يريد منظومة صحية تحميه، ومدارس تفتح له أفق المستقبل، ووظائف تحفظ كرامته.

هكذا يجد المغرب نفسه اليوم أمام معادلة دقيقة.. بين بريق المونديال وصوت الشارع الغاضب، وبين صورة دولية لامعة وحياة يومية تتطلب حلولاً عاجلة. والقرار هنا قد يرسم ملامح العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة وشبابها.