قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. عادل القليعي يكتب: في تصنيف العلوم الفلسفية

د. عادل القليعي - أستاذ الفلسفة بآداب حلوان
د. عادل القليعي - أستاذ الفلسفة بآداب حلوان

لعل عدة أسباب دفعت الكاتب إلى الكتابة عن هذا الموضوع ، أولتها ، الهجمات الشرسة التي تعرضت لها الفلسفة والتي أدت إلى وأدها والإطاحة بها من مناهج الصف الثالث الثانوي ، والاكتفاء بتدريسها كمقرر لا يضاف إلى المجموع فى الصف الثاني ، مما أدى إلى إحجام الطلاب عن الالتحاق بأقسام الفلسفة في الجامعات المصرية وهذا في حد ذاته تدمير للعقل لماذا ، لأن الفلسفة تعلم الإنسان كيف يفكر ، كيف يتكيف مع واقعه ، كيف يسهم في حل مشكلاته المتلاحقة المتسارعة وتيرتها.

ثانيتها ، محاولة من جانب الكاتب للفت وتوجيه أنظار السادة المسؤولين إلى أهمية تعلم الفلسفة وإعادة هيبتها وإعادة وضع الأمور في مساراتها الطبيعية.

ثالثتها ، محاولة للتعرف على ، هل ستثبت التصانيف القديمة التي قدمها فلاسفة اليونان ، أفلاطون وأرسطو والابيقورية والرواقية والأفلاطونية المحدثة ، وفلاسفة الإسلام ، وفلاسفة المسيحية ، وفلاسفة العصر الحديث ، هل ما قدموه من تصنيفات للعلوم الفلسفية ستثبت أمام الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الرهيبة التي يشهدها عالمنا المعاصر ، واستحداث مسميات أخرى وطرح أفكار جديدة ، كالفلسفة التطبيقية ، والذكاء الاصطناعي ، والاستشارة الفلسفية ، وغيرها مما يثار الآن على الساحة الفلسفية.
فكيف إذن تهمش في مراحل التعليم الإلزامي ، كيف سيتوءام الطلاب مع هذه الأمور المستحدثة.

رابعتها ، إحاطة القارئ الكريم بتصانيف العلوم الفلسفية ودحض بعض الأفكار السائدة عن بعض الناسه، الأفكار التي زرعها بعض المنسوبين إلى الدين من أن الفلسفة كفر والحاد وتقود إلى الزندقة.

إن قضية تصنيف العلوم الفلسفية قضية قديمة ووسيطة وحديثة ومعاصرة ، كل فيلسوف أدلى بدلوه في هذا الموضوع ، وقد حالفني التوفيق ، أن ألفت كتابا حول هذا الموضوع " تصنيف العلوم عند أبي الحسن العامري"، استهللته بعبارة للفارابي أبو نصر ، ذكرها في كتابه إحصاء العلوم ، قائلا ، غرضنا من هذا الكتاب إحصاء العلوم علما علما بغية الإستفادة منها.
وهذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أهمية هذا الأمر ، فالقاصي والداني ، المتخصص وغير المتخصص يعلم أن الفلسفة هي الشجرة الأم ، أم العلوم التي انبثقت منها أو بمعنى أدق خرجت من تحت عباءتها كل العلوم الإنسانية.

سواء كانت علوم نظرية أو علوم علمية ، لسبب بسيط ، أن الفلسفة مبانيها الرئيسة هو العقل ، وأن جميع العلوم تعتمد على الفكر ، والفلسفة تهذيب للعقل البشري وترويض لفكر الإنسان ، ومن ثم لا مهرب لا علم من التفلسف والتفكر ، فما دخل العقل في شئ إلا زانه وما خلا من شئ إلا شانه.

إن موضوعات الفلسفة كثيرة ومتعددة ومتشعبة ، تدور مع الواقع حيث يدور ، وهذا يدحض بدوره فرية أن الفلسفة عديمة الفائدة.
فمن الموضوعات ، الميتافيزيقا ، العالم الآخر ، السؤال عن وجوده، حقيقته ، ماهيته ، علاقته بواقعنا المعيش.

الوجود ، مبحث الانطولوجيا ، الوجود الذي يشمل عالمين ، عالم ما فوق فلك القمر وعالم ما تحته ، أو ما يسمي بالعالم الطبيعي وحديث شائق عن جدلية العلاقة بينهما.
ثم موضوعات المنطق والأخلاق ، والمعرفة ، وموضوعات الجمال التي يتناولها علم الجمال بالدراسة ، موضوعات الحضارة ، موضوعات المجتمع ، موضوعات التاريخ 
ألم أقل لكم أن الفلسفة متداخلة متشابكة مع كل العلوم.

التصنيف القديم ، تصنيف أفلاطون.
يعد تصنيفه أقدم التصنيفات حيث فرق بين ثلاثة علوم أولتها ، علم الجدل ويشمل النظر فى العلم الإنساني وفي مسائل ما بعد الطبيعة.
ثانيتها ، العلم الطبيعي ، ويشمل علوم الطبيعة ، والفلسفة الطبيعية ، وعلم النفس.
ثالثتها ، علم الأخلاق ، وهو الذي يبحث فى السلوك الإنساني.

تصنيف أرسطو ، العلوم النظرية ، وتضم العلوم الرياضية ، والطبيعية ، وما وراء الطبيعة.
العلوم العملية ، وتشمل ، الأخلاق ، السياسة، علم الاقتصاد ،.
والعلوم الشعرية وتضم الشعر وسائر الفنون.

تصنيف المدرسة الابيقورية والمدرسة الرواقية ،  فقد قسموا الفلسفة إلى تقسيمات ثلاثة 
المنطق ، الطبيعة ، الأخلاق.
العلمان الأول والثاني يمهدان للعلم الثالث.فلا يمكن أن ندرس العلم الطبيعي دون تعلم المنطق ، ولا يمكن أن ندرس الأخلاق دون تعلم المنطق وعلوم الطبيعة.

أما تصنيف فلاسفة الإسلام ، فالفارابي ومن قبله الكندي ومن بعدهما قدم ابن سينا تصنيفا للعلوم ، لكن حقيقة يعد تصنيف الفارابي أهمهم جميعا.
صنف الفارابي العلوم الفلسفية إلى عدة تصنيفات في كتابه إحصاء العلوم.
علوم اللسان،  علم المنطق ، علم الرياضيات ، علم الطبيعيات،  العلم الإلهي ، العلم المدني ، علم الفقه، علم الكلام.

تصنيف فلاسفة العصر الحديث.
فرنسيس بيكون ، الفلسفة الإلهية وتبحث في الإله ، الفلسفة الطبيعية ، وتبحث فى الطبيعة ، والفلسفة الإنسانية وتبحث فى الإنسان.
رينيه ديكارت ، شبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا ، وجزعها الفيزيقا ، والفروع سائر العلوم ، وهذه الفروع مرجعها جميعا إلى ثلاثة علوم كبرى هي الطب ، الميكانيكا ، الأخلاق.
هيجل ، قسم الفلسفة أيضا إلى ثلاثة اقسام هي، المنطق ، الطبيعة، فلسفة الروح ، هي عودة من الآخر إلى الذات.

وبعد هذه التقسيمات الماتعة ، فالرأي عندي ، أنه لا غني عن هذه التصنيفات في واقعنا الفكري المعاصرة ، لأن هذه التصنيفات جامعة للعلوم سواء كانت علوم نظرية أو علوم عملية.
فلا غني عنها لمن يريد أن يكتب في أي فرع من فروع الفلسفة ، لكن لا مندوحة من أن يبدع ويجتهد ويضيف موضوعات أخرى تثري واقعنا المعيشة وتتماشي مع المعطيات الجديدة وفي هذا ضمانة حقيقية لمواكبة الفلسفة لكل الأحداث والقضايا التى تطرأ على ساحة الفكر الإنساني ، بما يؤيد طرحنا ، أنه لا غني عن التفلسف وحاجتنا إليه الآن أكثر من أي وقت مضى.