قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نجاة عبد الرحمن تكتب: المغرب بين الاحتجاجات ومخطط الشرق الأوسط الجديد

نجاة عبد الرحمن
نجاة عبد الرحمن

ما يحدث في المغرب اليوم من موجة احتجاجات شبابية متصاعدة لا يمكن النظر إليه بمعزل عن أزمات الداخل، لكن من الخطأ أن يُختزل في بعدها الاجتماعي أو الاقتصادي فقط. نعم، البطالة والغلاء وتراجع الخدمات أسباب واقعية وصحيحة، لكن القراءة الأعمق تكشف أن ثمة مشروعًا أكبر يجري استثماره في هذه اللحظة، مشروع لا يقتصر على المغرب وحده، بل يستهدف المنطقة العربية كلها تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد" أو ما يمكن تسميته بسايكس بيكو الثانية.

منذ سنوات، تتكرر محاولات القوى الصهيوأمريكية لاختراق بنية المجتمعات العربية عبر إثارة الغضب الشعبي، واستثمار كل أزمة داخلية لتأجيج الشارع ودفعه نحو الفوضى. وتمامًا كما سُمّي ما جرى في بداية العقد الماضي بالربيع العربي، فإن الحقيقة الأقرب هي أنه كان "ربيعًا عبريًا"، هدفه تمزيق الدول الوطنية وإضعاف جيوشها وإغراقها في صراعات لا تنتهي. واليوم، تبدو محاولات إعادة إنتاج ذلك السيناريو في المغرب واضحة للعيان.

المغرب بلد يمتلك موقعًا استراتيجيًا مهمًا، وعمقًا حضاريًا وثقافيًا، فضلًا عن دوره التاريخي في دعم القضايا العربية، وعلى رأسها فلسطين. لهذا فإن ضرب استقراره يعد مكسبًا استراتيجيًا للمشروع الصهيوأمريكي. ولعل ما يزيد خطورة الأمر أن هذه القوى لا تسعى اليوم إلى إعادة تقسيم الخرائط بالحدود كما حدث في اتفاقية سايكس بيكو الأولى، بل تعمل على تفكيك الدول من الداخل، عبر إنهاكها اقتصاديًا، وتفتيتها اجتماعيًا، وإضعاف ثقة شعوبها في مؤسساتها.

الاحتجاجات في المغرب تحمل قدرًا من العفوية، لكنها في الوقت ذاته مهددة بأن تتحول إلى أداة في يد أطراف خارجية بارعة في صناعة الفوضى. الإعلام الموجّه، والمنظمات العابرة للحدود، والمنصات الرقمية التي تضخم كل حادثة وتصبغها بلون المؤامرة، كلها أدوات تُستثمر اليوم لإقناع الشباب المغربي بأن لا أمل في الإصلاح من الداخل، وأن الحل الوحيد هو إسقاط الدولة وإعادة البناء على أنقاضها. وهو السيناريو نفسه الذي شهدناه في دول عربية دفعت ثمنًا باهظًا لما سُمّي كذبًا بالربيع العربي، بينما لم يكن في جوهره سوى ربيع عبري بامتياز.

إن أخطر ما في المشهد ليس نزول الناس إلى الشارع، فهذا حق مشروع للتعبير عن الغضب. الخطر الحقيقي أن تُخطف هذه التحركات الشعبية العفوية، وأن تُوظف في خدمة أجندة لا علاقة لها بمطالب العاطلين أو المهمشين، بل كل همها أن يظل المغرب ضعيفًا، مأزومًا، بعيدًا عن أي قدرة على لعب دوره العربي والإقليمي. والمفارقة أن هذه الأجندة لا تسعى إلى حل أزمة البطالة ولا تخفيف الغلاء، وإنما تسعى إلى تحويل هذه الأزمات إلى وقود دائم للفوضى.

وإذا كان المغرب اليوم يستعد لاستحقاقات كبرى مثل استضافة كأس العالم 2030، فإن القوى ذاتها التي تقف وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد تحاول استغلال هذه اللحظة التاريخية لتقويض الثقة في الدولة وإظهارها بمظهر العاجز. هنا يصبح واضحًا أن المعركة لم تعد معركة مطالب اجتماعية فقط، بل معركة وعي ووجود، معركة بين مشروع وطني يسعى إلى الحفاظ على وحدة المغرب واستقلاله، وبين مشروع خارجي يريد تفكيكه وإعادة تركيبه بما يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب.

إنّ إدراك هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى لمواجهة المخطط. فالمطلوب ليس إنكار وجود أزمات داخلية، بل مواجهتها بوعي وطني يحول دون استثمارها في الاتجاه الخطأ. المطلوب أن يظل الشباب المغربي واعيًا بأن مطالبه العادلة قد تُستغل ضده، وأن يفرّق بين الغضب المشروع وبين الفوضى المصنوعة. ففي زمن "الربيع العبري"، لم يعد السلاح الأقوى هو الدبابة أو الطائرة، بل وعي الشعوب وإدراكها أن المعركة الحقيقية ليست حول الأسعار أو الرواتب فحسب، بل حول وجود الدولة ذاتها.