في خطوة تعكس مكانة مصر الثقافية والتاريخية على الساحة الدولية، أعلنت الدولة المصرية ترشيح الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للفترة من 2025 إلى 2029، ليكون ممثلًا لمصر والعالمين العربي والأفريقي في هذا السباق الدولي الرفيع.
يأتي ترشيح العناني بعد مسيرة حافلة بالإنجازات في مجالات الآثار والثقافة والتعليم والسياحة، حيث استطاع خلال توليه وزارة السياحة والآثار أن يحقق نجاحات كبيرة على المستويين المحلي والدولي، أبرزها افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية واستقبال الموكب الذهبي للمومياوات الملكية، الذي أعاد لمصر بريقها الحضاري أمام العالم أجمع. كما قاد ملفات كبرى مثل استكمال مشروع المتحف المصري الكبير، وإعادة تنظيم قطاع الآثار بما يواكب المعايير الدولية.
سيرة أكاديمية ومهنية مشرفة
الدكتور خالد العناني أستاذ علم المصريات بجامعة عين شمس، ويمتلك خبرة تمتد لأكثر من 30 عامًا في مجالات الآثار، والمتاحف، والتراث العالمي، تولّى مناصب متعددة، من بينها مدير عام المتحف القومي للحضارة المصرية، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ثم وزيرًا للسياحة والآثار، ليجمع بين الحس الأكاديمي والرؤية التنفيذية الميدانية، وقد أسهم في تعزيز التعاون الثقافي الدولي من خلال اتفاقيات مع مؤسسات عالمية كاليونسكو، والإيسيسكو، والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM)، مما جعله وجهًا معروفًا ومحترمًا في الأوساط الثقافية العالمية.
دعم عربي وأفريقي واسع
نال ترشيح الدكتور خالد العناني دعمًا رسميًا عربيًا خلال اجتماعات جامعة الدول العربية، التي أقرّت في مايو 2024 أن يكون مرشح مصر هو المرشح العربي الموحد لهذا المنصب الدولي المهم، كما حظي الترشيح بتأييد المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، في تأكيد على الثقة الإقليمية والعالمية في الكفاءة المصرية وقدرتها على تمثيل القارة السمراء على أعلى المستويات.
الدعم لم يقتصر على الإطار الإقليمي فحسب، بل امتد إلى عواصم كبرى مثل باريس، الدوحة، مدريد، أنقرة، والبرازيل، التي أعربت عن تقديرها لشخصية العناني وخبراته المتعددة في مجالات الثقافة والتراث والتنمية المستدامة.
رؤية مستقبلية لليونسكو
طرح الدكتور خالد العناني رؤية شاملة لتطوير عمل منظمة اليونسكو تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: تعزيز حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي عبر مشاريع واقعية تحفظ هوية الشعوب وتدعم السياحة الثقافية المستدامة، تطوير التعليم والبحث العلمي ليواكب الثورة الرقمية ويصل إلى الفئات الأكثر احتياجًا في الدول النامية، نشر قيم الحوار والسلام والتفاهم بين الشعوب من خلال الثقافة والفنون واللغة، باعتبارها الجسر الحقيقي لبناء عالم أكثر إنسانية وتسامحًا.
ويؤكد العناني أن "اليونسكو ليست منظمة لحفظ التاريخ فقط، بل هي أداة لصناعة المستقبل"، مشيرًا إلى أن الثقافة والتعليم والعلوم هي المفاتيح الحقيقية لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
ترشيح يحمل رمزية مصرية عالمية
ترشيح الدكتور خالد العناني لهذا المنصب يعكس إيمان مصر العميق بدور الثقافة كقوة ناعمة قادرة على بناء الجسور بين الشعوب. فمصر التي أنقذت معابد النوبة بالتعاون مع اليونسكو في ستينيات القرن الماضي، وأسهمت في تأسيس كثير من برامج المنظمة، تقدم اليوم أحد أبنائها المخلصين ليقود المؤسسة الأممية التي تُعنى بالتراث والعلم والتربية على مستوى العالم.
ويرى مراقبون أن وجود شخصية مصرية بخبرة الدكتور العناني في قيادة اليونسكو سيُعيد التوازن إلى أجندة المنظمة، ويمنح العالم رؤية أكثر شمولًا وإنسانية للتعامل مع قضايا الهوية الثقافية والتعليم والتنمية المستدامة.
يأتي ترشيح الدكتور خالد العناني ليؤكد أن مصر قادرة على تصدير قيادات فكرية وثقافية عالمية تمتلك الرؤية والقدرة على إدارة مؤسسات بحجم وتأثير اليونسكو.
إنه ترشيح يحمل في طياته رسالة سلام ومعرفة، ويعبر عن مصر التي ما زالت – منذ آلاف السنين – منارةً للعلم والحضارة والتاريخ الإنساني.