قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ثورة من قلب الجدران| ابتكار خرسانة ذكية تحول المباني إلى بطاريات.. تخِزن الطاقة وتضيء المصابيح

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في خطوة قد تغيّر مفهوم العمارة والطاقة حول العالم، أعلن باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن تطوير نوع جديد من الخرسانة قادر على تخزين الطاقة الكهربائية، ليتحول بذلك من مجرد مادة بناء صلبة إلى بطارية ضخمة تُغذي المباني والجسور وحتى الأرصفة بالطاقة.

الاختراع الجديد، الذي أُطلق عليه اسم "ec³" (اختصاراً لـ Electron-Conducting Carbon Concrete)، لا يُمثل فقط تقدماً علمياً، بل خطوة ثورية نحو مستقبل تُدمج فيه الطاقة المتجددة مباشرة في البنية التحتية للمدن.

من الجدران إلى البطاريات.. فكرة غير تقليدية

تعتمد الخرسانة الجديدة على مزيج مبتكر من الإسمنت والماء والكربون الأسود فائق النعومة والإلكتروليتات، لتُنتج شبكة نانوية موصلة للكهرباء داخل المادة نفسها.

وبفضل هذه التركيبة الفريدة، يمكن للخرسانة تخزين الطاقة وإطلاقها عند الحاجة، ما يجعلها عنصراً مثالياً لدعم التحول العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة.

وفي عام 2023، كانت هناك حاجة إلى نحو 45 متراً مكعباً من هذه الخرسانة لتخزين طاقة تكفي منزلاً ليوم واحد، أي ما يعادل حجم قبو تقليدي. لكن بفضل التطوير المستمر في تركيبة الإلكتروليتات وطريقة التصنيع، تقلص هذا الحجم إلى 5 أمتار مكعبة فقط – أي ما يعادل جداراً واحداً من قبو المنزل.

أسرار الشبكة النانوية.. هندسة الكهرباء داخل الخرسانة

لفهم هذا الإنجاز المدهش، استخدم الباحثون تقنية تصوير متقدمة تُعرف باسم FIB-SEM tomography، والتي تعتمد على نحت طبقات دقيقة من الخرسانة وتصويرها بمجهر إلكتروني فائق الدقة.
كشفت الصور عن شبكة نانوية معقدة تشبه الفراكتلات (الكسيريات) تحيط بالمسام داخل الخرسانة، تسمح للإلكتروليتات بالتغلغل وتدفق التيار الكهربائي داخل المادة الصلبة.

هذا الاكتشاف منح العلماء فهماً أعمق لكيفية تحسين كفاءة الخرسانة، ودفعهم لتجربة أنواع مختلفة من الإلكتروليتات، من بينها مياه البحر، ما يفتح الباب أمام استخدام هذه التقنية في المنشآت الساحلية مثل قواعد توربينات الرياح البحرية.

تجارب مدهشة.. قوس خرساني يُضيء مصباحاً

لتأكيد الفكرة، قام الباحثون ببناء قوس صغير من خرسانة ec³، استطاع ليس فقط تحمّل وزنه بل أيضاً تشغيل مصباح LED بجهد 9 فولت.

وعندما زادوا الحمل على القوس، بدأ الضوء في الوميض، في إشارة ذكية إلى إمكانية استخدام هذه الخرسانة كمستشعر ذاتي يراقب الإجهادات والتشققات في المباني.

وفي تجربة أخرى، استخدم الفريق إلكتروليتات عضوية تحتوي على أملاح الأمونيوم الرباعية ومادة الأسيتونتريل، فتمكنوا من تخزين أكثر من 2 كيلوواط/ساعة من الطاقة في متر مكعب واحد فقط من الخرسانة وهي كمية تكفي لتشغيل ثلاجة منزلية لمدة يوم كامل.

تطبيقات مستقبلية.. من الأرصفة إلى السيارات الكهربائية

لم تبقَ هذه التقنية حبيسة المختبرات، بل وجدت طريقها إلى الاستخدام العملي في مدينة سابورو اليابانية، حيث استُخدمت الخرسانة الجديدة لتدفئة الأرصفة بفضل خصائصها الحرارية الفريدة.

ويطمح فريق MIT إلى استخدام الخرسانة الذكية في مشاريع أكثر طموحاً، مثل مواقف السيارات التي تشحن السيارات الكهربائية تلقائياً أو منازل تعمل بالكامل خارج شبكة الكهرباء.

يقول الباحث داميان ستيفانيوك، أحد المشاركين في المشروع: "الشمس لا تشرق دائماً، لذا نحتاج إلى حلول تخزين مرنة وآمنة. هذه الخرسانة قد تكون الإجابة التي نبحث عنها."

الاستدامة في صميم الابتكار

يؤكد البروفيسور فرانز-جوزيف أولم، المدير المشارك لمركز EC³، أن ما يميز هذا الابتكار هو الاستدامة: "البطاريات التقليدية تعتمد على مواد نادرة وضارة بالبيئة، أما ec³ فهي تستخدم مواد متوفرة ويمكن دمجها مباشرة في البنية التحتية دون أي أثر بيئي سلبي."

ويضيف الباحث جيمس ويفر قائلاً: "لقد جمعنا بين علم النانو الحديث وأحد أقدم مواد البناء في التاريخ، والنتيجة هي مادة يمكنها أن تدعم حياتنا وتغذيها في الوقت ذاته."

حين تُصبح المدن بطاريات حية

ما طوره علماء MIT ليس مجرد اختراع هندسي، بل رؤية لعالم مختلف عالم تصبح فيه الطرق والجدران والجسور مصادر للطاقة النظيفة.

الخرسانة التي كانت تُبنى بها حضارات الماضي، قد تُصبح الآن الركيزة التي تُضيء حضارة المستقبل.

وفي زمن يبحث فيه العالم عن حلول مستدامة لأزمة الطاقة، تبدو خرسانة ec³ خطوة حقيقية نحو مدن ذكية تُنتج وتخزن الطاقة داخل بنائها ذاته مدنٌ تنبض بالحياة... والكهرباء.