في ساعات قليلة، تحولت رحلة شاب إلى الجيم من روتين يومي معتاد إلى مأساة إنسانية هزّت قلوب أسرته وأصدقائه. أحمد، الشاب الرياضي والطبيب المنتظر، دخل أحد المستشفيات الحكومية وهو يسير على قدميه ويشكو من تعب مفاجئ، لكنه خرج منها جثمانًا بلا روح. بين لحظة الدخول ولحظة الوفاة، تتراكم شهادات الأصدقاء لتكشف تفاصيل صادمة عن تأخير وإهمال وغياب استعداد، لتصبح القصة أبعد من مجرد وفاة طبيعية، وأقرب إلى سؤال كبير عن حق المرضى في العلاج السريع والآمن داخل المستشفيات العامة.
أحمد.. شاب رياضي وطبيب على وشك التخرج
يبدأ إسلام، أحد أصدقاء أحمد المقربين، حديثه لـ صدي البلد بتأكيد صورة يعرفها الجميع عن الفقيد. يقول إن أحمد كان مثالًا للشاب الملتزم أخلاقيًا ودينيًا، معروفًا بين زملائه بحبه للرياضة وحرصه الدائم على صحته. لم يكن له علاقة بأي سلوكيات خاطئة، ولم يعرف عنه سوى الانضباط والتركيز على هدفه الواضح: أن يصبح طبيبًا ناجحًا.
بحسب أصدقائه، كان أحمد على بُعد ستة أشهر فقط من التخرج، يحمل حلمه على كتفيه، ويقضي وقته بين الدراسة والتمرين في الجيم، حريصًا على لياقته وصحته الجسدية والنفسية. مظهره، كما يقول إسلام، كان انعكاسًا واضحًا لأخلاقه ونمط حياته، شاب هادئ، محترم، لا يؤذي أحدًا، ولا يبحث سوى عن مستقبله.
بداية الأزمة داخل الجيم.. هبوط مفاجئ
في يوم الواقعة، استيقظ أحمد كعادته، تناول إفطاره، وتوجه إلى الجيم لممارسة التمرين اليومي. لم يكن يشكو من أي أعراض، ولم يظهر عليه أي تعب أثناء التمرين. فجأة، شعر بهبوط شديد وإعياء غير معتاد، فبادر بالاتصال بوالدته قائلًا: «أنا تعبان».
نصحته والدته بالتوجه فورًا إلى المستشفى، خاصة وأن الجيم قريب جدًا منها. وبالفعل، خرج أحمد من الجيم وتوجه إلى المستشفى على قدميه، دون إغماء، ودون أن يحمله أحد. دخل المستشفى بنفسه، واعيًا، يتحدث، وحالته بحسب الشهود كانت مستقرة نسبيًا في تلك اللحظة.
داخل المستشفى.. انتظار قاتل وصمت مريب
وصل أحمد إلى المستشفى قرابة الساعة التاسعة والنصف مساءً. هنا تبدأ، بحسب روايات أصدقائه، فصول الإهمال. يقول إسلام إن أحمد ظل قرابة ساعة وأكثر دون أن يهتم به أحد بشكل جاد، لا فحص حقيقي، ولا تدخل سريع، ولا حتى متابعة دقيقة للحالة.
المثير للغضب، كما يروي الأصدقاء، أن والدة أحمد تعمل في المجال الطبي، بل وتشغل منصبًا إداريًا في التمريض، ومع ذلك لم تجد استجابة أو اهتمامًا، وكأن الاستغاثات كانت تُقابل بالتجاهل.
طلب العناية المركزة.. ولا سرير متاح
بعد فترة طويلة، نزل طبيب جراحة وقرر أن حالة أحمد تستدعي دخول العناية المركزة فورًا. لكن الرد جاء صادمًا: «لا يوجد مكان». في تلك اللحظة، بدأت حالة أحمد تتدهور بشكل سريع. ارتفع صوته من شدة الألم، بدأ وجهه في التغير، وظهرت عليه علامات خطيرة، حيث بدأ يزرق ويدخل في حالة اختناق وتشنج.
يقول إسلام إن أحمد كان «بيطلع في الروح»، في الوقت الذي لم يكن فيه أي تدخل حاسم. ورغم خطورة الموقف، تأخر نزول طبيب العناية المركزة قرابة ساعة أو أكثر، وهي فترة يصفها الأطباء بأنها كفيلة بإنهاء أي أمل في إنقاذ مريض يعاني من أزمة قلبية أو هبوط حاد.
أجهزة معطلة وتأخير في الإسعاف
الأكثر خطورة، بحسب شهادة إسلام، أن المستشفى لم يكن مجهزًا للتعامل مع حالة طارئة كهذه. يؤكد أن جهازين لرسم القلب كانا معطلين تمامًا، كما أن جهاز الصدمات المستخدم في الإنعاش القلبي الرئوي لم يكن يعمل.
ويضيف: «أنا دكتور، وفاهم طبيًا، أول حاجة كانت لازم تتعمل رسم قلب فوري، لكن ده محصلش، وده سبب تأخير قاتل». هذا التأخير، بحسب الأصدقاء، كان أحد الأسباب الرئيسية في تدهور حالة أحمد حتى فقدان حياته.
مستشفى بلا طاقم كافٍ.. وطلاب في الاستقبال
يشير أصدقاء أحمد إلى أن المستشفى، رغم كونه مركزًا طبيًا كبيرًا في مركز بيلا بمحافظة كفر الشيخ، يعاني نقصًا شديدًا في عدد الأطباء والتمريض. المفاجأة الصادمة أن من يقفون في الاستقبال بحسب الشهود هم طلاب ما زالوا في فترة الامتياز أو حتى الدراسة، وهو ما وصفه إسلام بـ«المهزلة».
وسط هذا النقص، ومع غياب الجاهزية، يرى أصدقاء أحمد أن الوفاة كانت بنسبة 99% نتيجة إهمال طبي واضح، مؤكدين أن أحمد كان يمكن إنقاذه لو جرى التعامل مع حالته بشكل صحيح منذ اللحظة الأولى.
تشخيص متأخر وتساؤلات بلا إجابة
يوضح إسلام أن الفريق الطبي اشتبه في البداية بوجود نزيف في المخ، وأدخل أحمد في جهاز للفحص، رغم أن الأعراض لم تكن تشير لذلك. في النهاية، جاء التشخيص متأخرًا: هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب.
هنا يطرح الأصدقاء تساؤلًا منطقيًا: كيف كُتب هذا التشخيص دون إجراء رسم قلب؟ وكيف يتم التأكد من سبب الوفاة دون الفحوص الأساسية؟ أسئلة ظلت بلا إجابة، وزادت من شكوك الأسرة والأصدقاء.
شهادة صديق آخر.. تفاصيل أكثر قسوة
صديق آخر لأحمد يؤكد أن الكابتن الخاص به نقله إلى المستشفى في تمام التاسعة مساءً، وكانت ضربات قلبه سريعة، لكنه كان واعيًا. انتظر الطبيب قرابة ساعة، وخلال هذا الوقت اضطر أصدقاؤه لجلب بطانية له لأنه كان يرتعش من شدة البرد.
ويضيف أن طبيب مخ وأعصاب نزل لاحقًا، لكنه تعامل بعصبية شديدة مع والدة أحمد، وأصر على ضرورة دخوله العناية، في حين رد التمريض بعدم توفر سرير. حتى الساعة الحادية عشرة والنصف، لم يحدث تدخل حقيقي، وكانت حالة أحمد قد وصلت إلى مرحلة خطيرة من التشنجات وتغير لون الوجه.
بعد إعطائه حقنة مهدئة للتشنجات، توفي أحمد على الفور. والمفارقة المؤلمة، كما يروي الأصدقاء، أن رسم القلب أُجري بعد الوفاة، وكأن الإجراءات الطبية جاءت متأخرة تمامًا عن إنقاذ الحياة.
رحل أحمد، الشاب الذي لم يؤذِ أحدًا، ولم يعرف عنه سوى الالتزام والاحترام، تاركًا خلفه أسئلة موجعة وغضبًا مكتومًا. أصدقاؤه يؤكدون أن ما حدث لم يكن قضاءً وقدرًا فقط، بل نتيجة إهمال طبي كان يمكن تداركه.
قصة أحمد ليست مجرد حادثة فردية، بل جرس إنذار جديد يدق في وجه منظومة صحية تحتاج إلى مراجعة ومحاسبة، حتى لا تتكرر المأساة، وحتى لا تتحول المستشفيات من أماكن للعلاج إلى محطات أخيرة للوداع. حسبي الله ونعم الوكيل في كل تقصير أودى بحياة شاب كان يحلم بأن ينقذ أرواح الآخرين.
رحيل أحمد لم يكن مجرد فقدان شاب في مقتبل العمر، بل خسارة حلم كان على وشك الاكتمال، وطبيب كان يستعد لخدمة الناس وإنقاذ أرواحهم. ما يرويه أصدقاؤه لا يُعبّر فقط عن حزن شخصي، بل عن وجع جماعي وشعور بالخذلان من منظومة كان من المفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن حياة الإنسان. تبقى الأسئلة معلّقة، ويظل الألم حاضرًا، في انتظار تحقيق عادل ومحاسبة حقيقية، حتى لا تتكرر المأساة، وحتى لا يدفع شباب آخرون ثمن الإهمال بأرواحهم، بينما كان من الممكن أن يُكتب لهم عمر جديد.