تتوالى التقارير من مدينة الفاشر في السودان حول انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وتتصاعد المخاوف الدولية بعد تقارير منظمات إنسانية وإغاثية وشهود عيان عن عمليات قتل جماعي، وخطف، واغتصاب، واحتجاز للنساء والأطفال، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في المنطقة.
التصعيد العسكري والرد الدولي
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى وضع حد للتصعيد العسكري في الفاشر بعد مقتل أكثر من 460 شخصا في مستشفى للتوليد، معربا عن "القلق البالغ" وداعيا إلى "إنهاء الحصار والأعمال الحربية فورا".
وأكدت منظمة الصحة العالمية استياءها الشديد من مقتل المرضى والعاملين الصحيين في المستشفى السعودي للتوليد، والمستشفى الوحيد العامل جزئيا في المدينة، وسط تقارير عن استمرار اختطاف العاملين في المجال الصحي.
صور الأقمار الصناعية وتوثيق المجازر
وأظهرت صور أقمار صناعية نشرها مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل وجود بقع حمراء في مواقع متعددة بالمدينة، قرب مركبات الدعم السريع، تشير إلى جثث بشرية لم تكن موجودة في الصور السابقة، ما يرشحها كضحايا عمليات إعدام حديثة.
عمليات تصفية جسدية واسعة النطاق
وأكدت نقابة أطباء السودان أن ما حدث يمثل "إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا ممنهجا وجرائم حرب مكتملة الأركان".
ووفق فرق النقابة، قُتل نحو 2000 مدني في الساعات الأولى لسيطرة الدعم السريع، وتمت تصفية آخرين بحرقهم أحياء، بينما يقدر أن 177 ألف مدني ما زالوا محاصرين.
نزوح وقيود على الاتصالات
نزح أكثر من 36 ألف شخص منذ الأحد الماضي، باتجاه ضواحي الفاشر ومدينة طويلة، التي تعد أكبر منطقة لاستقبال النازحين.
ولا تزال الاتصالات والإنترنت مقطوعة إلا لقوات الدعم السريع التي تتحكم بشبكة ستارلينك، ما يصعّب الوصول إلى معلومات مستقلة.
وحذر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من الوضع الحرج في الفاشر مع تزايد خطر الانتهاكات والفظائع ذات الدوافع الإتنية، مستذكرا المجازر السابقة في شمال دارفور التي ارتكبتها ميليشيا الجنجويد، التي تشكل لاحقا قوات الدعم السريع، بحق قبائل المساليت والفور والزغاوة.

خطر الانتهاكات
من جانبه، شدد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي، على أن مدينة الفاشر في إقليم دارفور السوداني تشهد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وسط صمت دولي وصفه بـ"المريب"، يذكّر بتقاعس العالم خلال مآسي رواندا والبوسنة.
وقال مهران، في تصريحات لـ “صدى البلد”، إن المدنيين يتعرضون لقتل ممنهج واغتصاب جماعي وتهجير قسري ونهب للممتلكات، في ظل حصار يمنع عنهم الغذاء والدواء والماء، مؤكداً أن استهداف المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي.
وأضاف أستاذ القانون الدولي أن الجرائم المرتكبة تتطابق مع معايير جريمة الإبادة الجماعية المنصوص عليها في اتفاقية 1948، محذراً من استخدام التجويع والعنف الجنسي كسلاح حرب، مؤكداً أن هذه الممارسات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
ودعا مهران المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لوقف المجازر، محدداً ست خطوات عاجلة تشمل وقف إطلاق النار، نشر قوات حفظ سلام، فتح ممرات إنسانية، إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، فرض عقوبات على القادة المسؤولين، وتشكيل لجنة تحقيق دولية لتوثيق الأدلة.