لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا ثقافيًا عاديًا، بل كان حدثًا استثنائيًا بكل المقاييس، حمل في تفاصيله رسالة عبقرية للعالم كله مفادها أن مصر لا تروّج لماضيها فحسب، بل تبني حاضرها ومستقبلها بعقلية دولة تعرف قدرها ومكانتها. كان ذلك اليوم بمثابة إعلان جديد لميلاد مصر العصرية التي تمسك بخيوط التاريخ بيد، وبمفاتيح المستقبل باليد الأخرى.
الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يُرِد حفلًا يسلّط الضوء على شخصه، بل أراد مشهدًا عالميًا يضع مصر في صدارة الصورة. فكل لقطة في هذا الافتتاح كانت مدروسة، وكل تفصيلة محسوبة، وكل مشهد محسوب بدقة ليقول للعالم: “هذه مصر التي يعرفها التاريخ، وتعود اليوم لتأخذ مكانها الطبيعي كقائدة لحضارتها ومنطقتها.” لم يكن المتحف الكبير مجرد مبنى ضخم يضم كنوز الفراعنة، بل كان عنوانًا جديدًا لقدرة الدولة المصرية على صناعة المشهد وامتلاك أدوات القوة الناعمة من خلال الثقافة والسياحة والتاريخ.
العالم كله شاهد الافتتاح. منصة “تيك توك” التي يتابعها أكثر من مليار ونصف إنسان حول العالم نقلت الحدث مباشرة، وآلاف القنوات الفضائية غطّت الحفل من القاهرة إلى العواصم الكبرى. مليارات البشر رأوا مصر في أبهى صورها، بين أضواء الأهرامات وروعة المتحف الأعظم. هذا المشهد وحده كان كافيًا ليجعل من الحفل أذكى حملة تسويقية في تاريخ مصر الحديث. ولو أرادت الدولة أن تشتري دعاية مماثلة في كل هذه المنصات والقنوات، لاحتاجت إلى عشرات المليارات من الدولارات، لكن مصر نالتها ببراعة التخطيط وحكمة القيادة.
السيسي لم يقف أمام الكاميرات ليُشيد بنفسه، بل ليدعو العالم كله ليرى كيف تصنع مصر مستقبلها. الرجل الذي تعرّض لحملات تشويه وهجوم غير مسبوق بين زعماء العالم، لم يلتفت يومًا إلى الضوضاء، بل مضى في طريقه يزرع ويبني ويحلم. وقد أثبتت الأيام أن الله ينصر الصادقين، وأن من يعمل بإخلاص من أجل وطنه لا يُهزم. في كل مرة يتحدث العالم عن أزمة، كانت مصر تبعث برسالة استقرار وإنجاز. وفي كل مناسبة يحاول فيها البعض التقليل من شأنها، كانت مصر ترد بإنجازٍ جديد يفرض احترامها على الجميع.
الرئيس يدرك تمامًا أن السياحة ليست مجرد مصدر دخل، بل مشروع وطني، واستثمار طويل المدى في صورة الدولة وثقافتها. لذلك فإن رؤيته تهدف إلى مضاعفة أعداد السياح لتصل إلى ثلاثين أو خمسين مليون سائح سنويًا. هذا الهدف الطموح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا شارك فيه الجميع، حكومةً وشعبًا، موظفًا وسائقًا وبائعًا وشرطيًا. فالسائح الذي يأتي إلى مصر لا يرى فقط الأهرامات والمعابد، بل يرى وجوه المصريين، يلمس أخلاقهم، ويتعامل مع سلوكهم. كل ابتسامة صادقة هي دعاية لمصر، وكل تصرف غير لائق هو دعاية ضدها.
ولهذا فإن نجاح هذه الحملة التسويقية الكبرى لا يكتمل إلا عندما يعي المواطن المصري دوره كشريك في صناعة الصورة. فالسياحة ليست مسؤولية وزارة السياحة وحدها، بل مسؤولية كل مواطن يعيش على هذه الأرض. النظافة احترام، والالتزام صورة، والكرم رسالة. إن مصر لا تحتاج إلى معجزات لتتألق، بل تحتاج فقط أن يحبها أبناؤها كما يحبها قائدها.
إن افتتاح المتحف المصري الكبير لم يكن مجرد عرض للحضارة المصرية القديمة، بل كان عرضًا لعظمة الدولة الحديثة التي تبني وتُبدع وتنافس على مستوى العالم. لقد أراد السيسي أن يقدّم للعالم نموذجًا لما تعنيه “القوة الناعمة” في أرقى صورها، حين تتحول الثقافة والتاريخ إلى أداة تأثير اقتصادية وسياسية وسياحية. وما حدث تلك الليلة كان أكبر دليل على أن مصر تستطيع أن تنافس بأدواتها الحضارية والإنسانية كما تنافس غيرها بأدوات التكنولوجيا والاقتصاد.
هكذا تتحول اللحظة التاريخية إلى نقطة انطلاق جديدة في مسيرة وطنٍ لا يعرف التراجع. مصر التي حفظت التاريخ تكتبه من جديد، ومصر التي ألهمت العالم يومًا، تعود اليوم لتُلهِمه من جديد. والفضل في ذلك يعود إلى قائدٍ آمن بقدرة بلاده، ورأى في كل حجرٍ من آثارها وعدًا بمستقبلٍ أفضل.
فلنحب هذه الأرض كما أحبها، ولنجعل من كل لحظة إنجاز دافعًا للأمام. ولتكن رسالة كل مصري للعالم كما أرادها الرئيس: هذه هي مصر… دولة لا تعرف المستحيل، ولا تنكسر، لأنها ببساطة خُلقت لتبقى.