في قلب سيناء، حيث تتجلى قدسية الجبل والأرض المباركة ، نُصِّب الأنبا سيميون السينائي، الأرشمندريت سيميون بابادوبولوس سابقًا، مطرانًا لدير سانت كاترين ورئيسًا لأساقفة سيناء وفيران والطور للروم الأرثوذكس. لم يكن هذا التجليس حدثًا كنسيًا عاديًا؛ بل هو تتويج لمسيرة رهبانية نذرها رجل لجبال سيناء المقدسة على مدى أربعة عقود.
ظلت روح الراهب سيميون، الذي أطلق عليه سكان الوديان لقب "الراهب الطيب"، مخلصة ومقيمة في دير القديسة كاترينا طوال أربعين عامًا؛ لم يبرح خلالها الدير إلا لأوقات قليلة اضطر فيها للسفر لليونان لتلقي العلاج.
خلال فترة عبادته وعزلته، لم يكن سيميون مجرد ناسك، بل كان خادمًا حقيقيًا للدير وسكان الوديان الجبلية المحيطة، محققًا بذلك نموذج الرهبنة التي تتجاوز السور إلى خدمة الإنسان. ولم يسعَ هذا الراهب الوديع قط للمناصب، على الرغم من أنه اختير في مرحلة سابقة وكيلًا للمطران السابق، ديميتري ديميانوس.
شهد يوم الجمعة الموافق 31 أكتوبر 2025 مراسم تجليس المطران الجديد داخل كنيسة التجلي الأثرية. أُقيم الاحتفال وسط طقوس دينية مهيبة وقرع للأجراس دوّى صداه في جبال الوادي المقدس، ليُعلن عن صعود راهب الجبل إلى مقعد القيادة.
ويُعدّ هذا التجليس حدثًا تاريخيًا؛ إذ أكد توني كازامياس، مستشار مطران دير سانت كاترين، أن الأنبا سيميون بابادوبولوس هو أول مطران يأتي بالانتخاب منذ اثنان وخمسين عامًا. فبعد فترة طويلة، اختار مجمع الرهبان الأنبا سيميون، وهو أقدم الرهبان سنًا داخل الدير، في سبتمبر الماضي، ليتقلد المنصب الذي عمل فيه سابقًا وكيلاً للمطران ورئيسًا لأساقفة سيناء وفيران ورايتو للروم الأرثوذكس، مقدمًا خلال عقود من العمل الرهباني خدمات تعليمية ورعوية مقدسة.
وأبرز التجليس الأهمية الروحية والتاريخية للدير وعمق العلاقات المصرية اليونانية، حيث شهد الاحتفالات حضور رفيع المستوى، ضم كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان، وجورجيوس جيرابيتريتيس وزير الخارجية اليوناني، ونيقولاوس باباجيورجيو السفير اليوناني بمصر، إضافة إلى الأنبا أنطونيوس مطران القدس والكرسي الأورشليمي للروم الأرثوذكس، ولفيف من رجال الدين من مصر واليونان.
ويُعرف الأنبا سيميون باسمه الرهباني: سيميون الحادي عشر. وُلد في مدينة بيرايوس باليونان عام 1957م. وهو شخصية أكاديمية ودينية مرموقة، تخرج في كلية اللاهوت ثم كلية الفلسفة بجامعة أثينا. بدأ حياته المهنية كمعلم للتعليم المسيحي ومدرسًا للمرحلة الثانوية قبل أن ينتقل إلى الخدمة الكهنوتية؛ فتقلد شمّاسًا سنة 1983، ثم كاهنًا سنة 1986، ونال لاحقًا رتبة أرشمندريت وأب روحي.
وفي عام 1988، التحق الأنبا سيميون بدير القديسة كاترينا في جبل سيناء، حيث نال الإسكيم الكبير على يد رئيس الأساقفة دميانوس. وتدرج في مهام الدير، فكان أمينًا لمكتبة الدير، وسكرتيرًا






للأخوية وقيمًا على الآثار المقدسة، ثم المسؤول عن الشؤون الروحية للأخوية. كما ترأس الميتوخيون السينائي (فرع الدير) في أثينا، وعمل رئيسًا للجمعية الأرثوذكسية باليونان التي تُشرف على دار المسنين ودار الأيتام. واليوم، يعود "الراهب الطيب" إلى مسكنه الروحي مطرانًا، حاملًا على عاتقه إرث هذا الدير العريق.