قال الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، إن علم النفس يصف حالة الغضب الشديد بأنها فقد جزئي للوعي؛ حيث يفقد الإنسان جزءًا من إدراكه، ويحدث نقص واضطراب في التصرف والسلوك، ويختل إرسال الإشارات العصبية من المخ لباقي الجسد، مما يجعل الشخص يتصرف بشكل غير منضبط.
وأوضح خلال لقاء تلفزيوني، اليوم الاثنين، أن على الإنسان عند أول لحظة غضب أن يحاول ـ قدر استطاعته ـ إيقاف الغضب بشياكة وهدوء وذوق، وأن يخرج من دائرة الانفعال، وأن يسأل الله الهدوء والسكينة والسلام.
وأضاف الدكتور قابيل أن القرآن الكريم وضع منهجًا واضحًا للتعامل مع الاستفزاز، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾، مبينًا أن الإنسان قد يتعرض لمن يخوض في عرضه، أو يحاول استفزازه، أو يخرج منه الشحنات السلبية.
وقال إن هذا يحدث كثيرًا داخل الأسرة تحت شعار "هجيب آخره"، وهو تصرف لا يحمل مودة ولا رحمة من الطرفين. لذلك نصح بأن يقول أحد الزوجين للآخر عند بداية التوتر:
"لو بتحبني بجد.. ادّينا فرصة نص ساعة نهدأ ونكمّل كلامنا بعد شوية".
وأشار إلى أن الابتعاد المؤقت عن مكان الخلاف بشياكة واحترام ضروري، خاصة بين الزوجين داخل البيت، موضحًا أن الأمر يختلف إذا كان الإنسان بين أصدقاء أو في الشارع أو في موقف طارئ.
وأكد أن الموروث المصري عبّر عن هذا المعنى بقوله: "ينفد بجلده"، أي يخرج من المكان الذي يكثر فيه عدم التقدير والعصبية والنرفزة.
وتابع الدكتور أسامة قابيل بأن الله سبحانه وتعالى قدّم علاجًا مباشرًا للغضب بقوله: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾، مؤكدًا أن الشيطان يوسوس للإنسان عند بداية التوتر، وأن على الإنسان أن يقول فورًا: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وأن يدعو: "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون".
وبيّن أن السنة النبوية قدّمت خطوات عملية لعلاج الغضب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا غضبتَ وأنت قائم فاجلس." موضحًا أن تغيير الهيئة يساعد على تغيير الحالة النفسية، فإذا كان الإنسان يقف ويتحدث بعصبية مع زوجته أو أولاده أو زميله، فليجلس فورًا، وإذا كان جالسًا فليقف أو يخرج من المكان.
وأضاف أن الوضوء يطفئ نار الغضب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الغضب من الشيطان والشيطان من نار، ولا يطفئ النار إلا الماء.
وأشار إلى أن علم النفس يؤكد نفس الفكرة، إذ ينصح بغسل الوجه أو الاستحمام بالماء البارد، لكون الغضب يرفع الضغط ويظهر علامات التوتر على الوجه.
وأوضح الدكتور قابيل أن الإنسان يحمل شحنات سلبية من الزحام والطريق والعمل والسوشيال ميديا والضغوط اليومية، فيفرغها دون قصد على أقرب الناس إليه، ثم يشعر بالندم، لذلك:"إوعى تاخد قرار وإنت غضبان.. لأنه قرار لا عودة".
وأكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الغضب المذموم بقوله: "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، مبينًا أن القوة ليست في رفع الصوت ولا في الانفعال، وإنما في التحكم، وحسن التصرف، وإدارة لحظات الغضب بحكمة واتزان.



