شارك أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم السبت، في إطلاق وزارة الأوقاف المصرية «النسخة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم»، المقام بمسجد مصر الكبير بالعاصمة الجديدة، بحضور أ.د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وأ.د. نظير عياد، مفتي الجمهورية، وعدد من الوزراء والمسؤولين والمشاركين في المسابقة من مصر وخارجها.
وأعرب وكيل الأزهر خلال كلمته بافتتاح المسابقة عن شكره للمجهود الكبير الذي تقوم به وزارة الأوقاف في تنظيم هذه المسابقة التي تحظى برعاية كريمة من فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، الذي يؤكد دوما أن خدمة كتاب الله تعالى، ورعاية حملته أصل راسخ في مشروع الدولة لبناء الإنسان، ويعمل فخامته على توفير كل أوجه الدعم لتطوير مسابقات القرآن الكريم، وتوسيع نطاقها، وتعزيز حضور مصر على الخريطة القرآنية العالمية، إيمانا بأن رعاية القرآن رعاية للهوية، وتحصين للوعي، ودعم لقيم السلام والبناء، مؤكدا فضيلته أن المشاركة في هذه المسابقة من دول العالم دليل وشاهد على مكانة مصر القرآنية والعلمية، وحدث يجمع القلوب على كلمة سواء، يتنافس فيه الشباب في ميدان الخير، وتتوحد فيه الألسن على تلاوة كلام الله تعالى.
وقال إن لقاء اليوم اجتماع على مائدة القرآن الكريم، النور الذي لا يخبو ضياؤه، والهدى الذي لا تضل سبله، والكتاب الذي لا تنقضي عجائبه وحكمه، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو اجتماع في مصر-بلد الأزهر الشريف- وفي ضيافة وزارة الأوقاف المصرية لافتتاح هذه المسابقة العالمية يجسد قيام الدولة المصرية بدورها الريادي في خدمة كتاب الله تعالى، ويؤكد عنايتها الدائمة بحملته وحفظته، ورعايتها لكل ما يتصل به تعليما وتجويدا وفهما وتدبرا، كما تثبت المسابقة في دوراتها المتتالية، أن مصر تملك رؤية راسخة تجمع بين أصالة التراث ومعطيات التقدم، وتسعى إلى تخريج جيل قادر على حمل رسالة القرآن في العالم كله، جيل يجمع بين دقة الإتقان وسمو القيم ونبل الأخلاق.
وأكد أن مصر كانت وستظل دائما «دولة القرآن» و«دولة التلاوة»، فمصر موطن الوحي، فهي البلد الوحيد الذي تجلى الله على أرضه، وكلم الله فيها سيدنا موسى تكليما، وإذا كانت مصر تعنى بالقرآن فإن القرآن قد كرم مصر فذكرها صراحة خمس مرات، وضمنا عشرات المرات، ووصفها بأنها أرض آمنة مباركة. وقد حمل الأزهر الشريف على عاتقه أمانة بلاغ هذا القرآن، ونشر تلاوته وتجويد وإتقان قراءته من خلال هيئاته وإداراته، ومن ذلك أحد عشر ألف كتاب عبر محافظات الجمهورية، فضلا عن التحفيظ عبر الإنترنت، ينشر الأزهر من خلالها هذه الرسالة القرآنية.
وأوضح أن الأزهر تبنى من خلال هذه الكتاتيب مشروع «الكتاب الحضاري» الذي يعنى فيه الأزهر ببناء شخصية مؤصلة متزنة مفكرة عاقلة ناقدة تجمع إلى آيات القرآن وألفاظه فهم مقاصده وغاياته، وإذا كانت أرض الكنانة أول من حمل إلى العالم تسجيلات المصحف بأصوات أفضل وأمهر القراء، فإن جيلا جديدا يزهر اليوم في مصر ليكمل الرسالة بعدهم، فقد قدم الأزهر الشريف ثلاثين صوتا من فتيته ليحملوا شرف تسجيل المصحف الطلابي الأزهري، الذي يذاع عبر الإذاعات والقنوات يربط الماضي بالحاضر، ويجدد أمجاد دولة التلاوة المصرية في ثوب جديد.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن القرآن الكريم مشروع بناء حضاري متكامل، نقل الإنسان من ظلمات الفوضى إلى نور الاستقرار والنظام، ومن منطق الغلبة إلى ميزان الحق والعدل، ومن ضيق الأهواء إلى سعة القيم والرسالة، وقد شكل نزوله لحظة فاصلة في تاريخ البشرية؛ إذ أعاد ترتيب العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان ومجتمعه، وبين الإنسان والكون من حوله، وأسس لبناء الحضارة الإنسانية على أسس راسخة، في مقدمتها تكريم الإنسان بوصفه خليفة في الأرض، ومسؤولا عن عمارتها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
وتابع أن القرآن أقام الحضارة على أساس العلم، فجعل القراءة أول طريق الهداية، والتفكر عبادة، والنظر في الكون سبيلا إلى الإيمان، كما أسهم القرآن في ترسيخ قيم العمل، والإتقان، والأمانة، والمسؤولية. ولم تقف آثاره عند حدود المجتمع المسلم، بل امتد عطاؤه ليؤثر في مسار الحضارة الإنسانية كلها، من خلال ما قدمه من نموذج حضاري يقوم على التعايش، واحترام الإنسان، وحماية الكرامة، وترسيخ ثقافة الحوار والتعارف، وهو ما جعل كثيرا من المبادئ الإنسانية المعاصرة تجد جذورها العميقة في الهدي القرآني.
ودعا وكيل الأزهر إلى الالتفاف حول القرآن الكريم، لا باعتباره تراثا يتلى، بل منهجا يفعل، وقيما تحيا، ورسالة توجه حركة الإنسان نحو العدل، والسلم، والإعمار، مع استحضار مقاصد القرآن استحضارا واعيا، لا في حدود الشعارات، بل في صميم السياسات، ومناهج التعليم، وخطاب الإعلام، وبناء الإنسان؛ فمقاصد القرآن الكريم ما تزال قادرة –إذا أحسن فهمها وتنزيلها- على أن تصنع إنسانا متوازنا، ومجتمعا متماسكا، وحضارة راشدة تجمع بين القوة والعدل، وبين التقدم والأخلاق، وبين الإبداع والمسؤولية، وهي الرسالة التي ما زال القرآن يحملها إلى الإنسانية اليوم كما حملها بالأمس، وسيظل يحملها ما دامت السماوات والأرض.
وفي ختام كلمته، أكد وكيل الأزهر أن القرآن الكريم -في ظل ما تعانيه أمتنا من آلام- يأتي كتابا للقيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية، ومنبعا للآداب والكمالات، وشارحا لأسباب العزة والنصر والسيادة، ونحن في مصر نجدد العهد على أن نظل خداما لكتاب الله، داعمين لحملته، مؤمنين بأن حفظ القرآن وإتقانه والعمل به هو أصل النهضة ومفتاح الخير وسبيل صناعة أجيال قادرة على حمل رسالة الإسلام في أرجاء العالم كافة، ونرجو أن تفتح لنا هذه المسابقة أبوابا من التعلق بالقرآن الكريم؛ ليكون فينا كما أراد الله حبلا متينا تعتصم به الأمة من الفرقة والشتات، وصراطا مستقيما تهتدي به إلى العزة والرشاد.

