في مشهد يختلط فيه الحزن بالغضب، ودّعت الأوساط الطبية والشعبية بمحافظة قنا واحدًا من أنبل أطبائها وأكثرهم إخلاصًا، الدكتور أبو الحسن رجب، الذي رحل عن عالمنا متأثرًا بإصابته بطلق ناري طائش أثناء أدائه واجبه الإنساني ضمن قافلة طبية لخدمة أهالي القرى الأكثر احتياجًا. لم يكن مجرد طبيب يؤدي عمله، بل كان رمزًا للعطاء والتفاني، وصوتًا للرحمة في أماكن كثيرًا ما تفتقر للخدمات الصحية الأساسية. وبرحيله، تُفتح من جديد جراح المجتمع حول خطورة السلاح المنفلت، وثمن الاستهتار بأرواح الأبرياء.
تفاصيل الحادث.. رصاصة مجهولة تنهي مسيرة إنسانية
تعود وقائع الحادث الأليم إلى منتصف شهر نوفمبر الماضي، حين كان الدكتور أبو الحسن وهو طبيب نساء وتوليد يشارك في قافلة طبية بقرية العطيات التابعة لمركز دشنا بمحافظة قنا. وبينما كان يؤدي عمله في فحص المرضى وخدمتهم، انطلقت رصاصة طائشة مجهولة المصدر لتستقر في جسده، لتتحول لحظة العطاء إلى مأساة إنسانية كبرى.
جرى نقل الطبيب على الفور إلى المستشفى في حالة حرجة، ليبدأ صراعًا مريرًا مع الإصابة استمر نحو 45 يومًا داخل غرف العناية المركزة، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة صباح اليوم الجمعة.
محاولات إنقاذ مكثفة ومتابعة وزارية
عقب الحادث، تابعت وزارة الصحة والسكان الحالة الصحية للطبيب المصاب باهتمام بالغ. ووجّه الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، بتقديم الرعاية الطبية الكاملة له على أعلى مستوى، مع نقله إلى معهد ناصر بالقاهرة فور استقرار حالته.
وخلال فترة العلاج، شهدت حالته بعض المؤشرات الإيجابية، حيث أُعلن في وقت سابق عن نزع أنبوب التنفس الصناعي واستقرار حالته الحيوية نسبيًا، وسط متابعة دقيقة من فريق طبي متكامل. إلا أن المضاعفات الصحية كانت أقوى، لينتهي الصراع برحيله، تاركًا حسرة في قلوب الجميع.
حزن واسع في الوسط الطبي والشعبي
خيمت حالة من الحزن العميق على الأوساط الطبية بمحافظة قنا وخارجها، فور إعلان خبر الوفاة. ونعت نقابة الأطباء الدكتور أبو الحسن رجب ببالغ الأسى، مؤكدة أنه “شهيد الواجب”، وأنه قدم نموذجًا مشرفًا للطبيب المخلص الذي يضع حياة المرضى فوق كل اعتبار.
كما نعت إدارة مستشفى دشنا المركزي، وجميع العاملين بها من أطباء وإداريين وهيئة تمريض، الفقيد الراحل، واصفين إياه بالأخ والصديق وصاحب القلب الطيب، الذي لم يتأخر يومًا عن مساعدة زملائه أو مرضاه.
شهادات مؤثرة من الأصدقاء والزملاء
عبّر أصدقاء الطبيب الراحل عن صدمتهم وحزنهم بكلمات مؤثرة، حيث قال أحدهم: “الله يرحمه ويحسن إليه، وجع قلبنا والله، كان صديقًا محترمًا، صاحب أخلاق، لم يؤذِ أحدًا يومًا، ودائمًا كان جدعًا.”
وقال صديق آخر: “إنا لله وإنا إليه راجعون.. توفي إلى رحمة الله الدكتور أبو الحسن رجب بعد إصابته بطلق ناري، رحمه الله وتقبله شهيدًا عنده.”
كما تقدّم أحد أصدقائه المقربين بالعزاء لأسرته وزملائه، مؤكدًا أن الفقيد كان قامة طبية وإنسانية عظيمة، أفنى عمره في خدمة المرضى، وأن سيرته ستظل شاهدًا على إخلاصه وشرف مهنته.
مطالب مجتمعية بالتصدي لظاهرة الرصاص الطائش
أعاد رحيل الطبيب أبو الحسن رجب إلى الواجهة قضية خطيرة طالما حصدت أرواح الأبرياء، وهي ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات أو النزاعات. وطالب كثيرون بضرورة تشديد العقوبات وتكثيف الحملات الأمنية والتوعوية للحد من هذه الظاهرة، التي لا تفرق بين طبيب أو طفل أو عابر سبيل.
وكانت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن قنا قد تحركت سريعًا عقب الواقعة، وتمكنت من تحديد هوية المتهمين وضبطهم وتقديمهم للعدالة.
برحيل الدكتور أبو الحسن رجب، لا تفقد قنا طبيبًا فحسب، بل يفقد المجتمع إنسانًا نادرًا اختار طريق الخدمة دون انتظار مقابل. وسيبقى اسمه حاضرًا في قلوب مرضاه وزملائه، وستظل قصته جرس إنذار يدق بقوة في وجه الاستهتار بالأرواح.