في وقت تشهد فيه أسواق الملابس إقبالًا متزايدًا على ما يعرف بـ"ملابس البالة"باعتبارها خيارًا أقل تكلفة في ظل ارتفاع الأسعار، تصاعد الجدل حول مشروعية هذه التجارة وتأثيرها على الصناعة الوطنية والاقتصاد.
وبينما يراها البعض حلًا عمليًا يلبي احتياجات شريحة واسعة من المواطنين، تحذر جهات صناعية من خطورتها، معتبرة أنها بوابة مفتوحة للتهريب والتحايل على القوانين المنظمة للاستيراد.
تجارة مخالفة وبوابة للتهريب
وقال محمد عبدالسلام رئيس شعبة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات، إن التحذير من تجارة “البالة” لا يستهدف تنويع الأسواق أو حرية الاختيار، وإنما يستند بالأساس إلى مخالفة قانونية واضحة، موضحًا أن هناك قرارًا وزاريًا صريحًا يمنع استيراد الملابس المستعملة لما تمثله من مخاطر اقتصادية وصحية محتملة.
وأوضح عبدالسلام، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، أن ما يعرف بتجارة البالة يعتمد في جوهره على التهريب، مشيرًا إلى أنه بعد تشديد الرقابة وإغلاق عدد كبير من منافذ التهريب المباشر، اتجه المهربون إلى الخليج حيث يأخذون البضاعة الاستوكات من العالم كله ويرسلوها الى دول وسيطة مثل السعودية أو دبي، قبل إدخال الشحنات إلى مصر.
وأضاف أن القانون يسمح للمصريين العاملين بالخارج باستيراد أغراض شخصية في حدود معينة، سواء بصحبة الراكب أو عبر الشحن أو البريد، إلا أن هذا البند يتم استغلاله بشكل خاطئ.
شحنات تصل إلى 500 كيلو بجمارك 2% بدلًا من 40%
وأشار رئيس شعبة الملابس الجاهزة، إلى أن بعض المهربين يلجأون إلى شحن كميات كبيرة قد تصل إلى 500 كيلو جرام في شحنة واحدة لكل مستلزماته ولكنه يجعلها كلها ملابس، ويتم تمريرها بجمارك منخفضة لا تتجاوز 2%، على أساس إنها ملابس مستعملة في حين أن الملابس الجاهزة المستوردة تخضع لجمارك تصل إلى 40%، مؤكدًا أن المفارقة الكبرى أن هذه الملابس "ليست مستعملة من الأساس، وإنما جديدة تمامًا والليبل والسعر".
قرار حكومي بتخفيض حد الأغراض الشخصية إلى 150 كيلو سنويًا
وأكد عبدالسلام، أن انتشار هذه الظاهرة أدى إلى توسع خطير في حجم السوق غير الرسمي، ما دفع الشعبة إلى عرض الأمر على وزير التجارة والصناعة وشرح آليات التحايل القائمة، وهو ما أسفر عن صدور قرار جديد بتخفيض الحد الأقصى للأغراض الشخصية إلى 150 كيلو جرامًا سنويًا بدلًا من شحنتين بواقع 500 كيلو جرام لكل شحنة، مشيرًا إلى أن القرار بدأ تطبيقه بالفعل منذ نحو أسبوعين.
وفيما يتعلق بحجم تجارة البالة، أوضح عبدالسلام أن الأرقام الدقيقة يصعب حصرها، لكنها وصلت وفق تقديرات إلى نحو 25% من حجم المنتجات المهربة في السوق.
وحذر من أن هذه التجارة تلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الوطني، لكونها تحرم الخزانة العامة من الرسوم الجمركية الحقيقية، وتخلق منافسة غير عادلة مع المصانع المحلية التي تتحمل أعباء الضرائب والتأمينات وجمارك مدخلات الإنتاج، في حين يبيع تجار البالة بضاعتهم في الشارع دون أي التزامات قانونية.
ونفى رئيس الشعبة، أن يكون التحذير قائمًا فقط على مخاوف صحية، موضحًا أن منع استيراد الملابس المستعملة جاء في الأصل بناءً على تحذيرات دولية من احتمالية نقل الأمراض، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن المفارقة أن غالبية ملابس البالة المتداولة حاليًا جديدة وليست مستعملة، وهو ما قد لا يدركه حتى بعض البائعين أنفسهم.
واختتم عبدالسلام تصريحاته، بالتأكيد على أن مواجهة هذه الظاهرة تمثل ضرورة لحماية الصناعة الوطنية، والحفاظ على حقوق الدولة، وضمان عدالة المنافسة داخل سوق الملابس الجاهزة.