قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

باسم يوسف: الخلافة الإسلامية "دولة تكفيرية".. وتطبيق الشريعة "تصريح بالقتل".. والجيش المصري لم يحمِ العالم من خطر المغول


◄ باسم يوسف: بعض المتشنجين سيعتبرون كلامي "كفرا بالثوابت".. ولكني أعذرهم
◄ تاريخنا الإسلامي يحتاج إلى إعادة قراءة باستخدام المنهج العلمي بعيدا عن "القدسية"
◄ ما تبقى من المغول لمواجهة الجيش المصري في عين جالوت جزء صغير لا يزيد على 18 ألف جندي
هاجم الإعلامي باسم يوسف بعض متشددي التيار الإسلامي من المنادين بعودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية، بوصفمها حلا سحريا لما تعانيه البلاد والعباد من مشكلات اقتصادية واجتماعية، مشيرا إلى أن معظم التكفيريين ومن وصفهم بـ"محترفي التضييق على خلق الله" يغسلون عقول الشباب فيحاولون إقناعهم بأن هوان الأمة الإسلامية الآن سببه الابتعاد عن الدين، وأن الحل لاستعادة العزة والكرامة و”أستاذية العالم” في أن نحيي الخلافة الإسلامية لنتبوأ مكاننا بين الأمم.
وأضاف "يوسف"، خلال مقاله المنشور بجريدة الشروق اليوم الثلاثاء تحت عنوان "توتة توتة ومافرغتش الحدوتة"، أن المتفاخرين بإمبراطورية الخلافة الإسلامية ومآثر علماء العرب والمسلمين يصرون على ربط الإسلام كدين ودولة بالتقدم العلمي في ذلك الوقت، وأردف "فالقشرة الخارجية البراقة للخلافة الإسلامية كراعٍ للعلوم والفنون (زي مبارك كده) هي قشرة هشة وكاذبة، فمعظم العلماء المسلمين تم تكفيرهم وإصدار فتاوى بحقهم أخرجتهم من الملة".
وإلى نص المقال:
تمتاز القصص الخيالية بأنها تنتهي نهايات سعيدة مرضية لجميع الأشخاص، ففي النهاية نقول لأطفالنا “توتة توتة، فرغت الحدوتة” و”عاشوا فى تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات”.
هكذا تنتهي كل القصص السعيدة من أول الجمال النائم إلى سنو وايت والأقزام السبعة.
لكن الحقيقة أن معظم قصص الأطفال كتبها مؤلفوها بطرق أكثر واقعية وسوداوية. فالصراع بين الخير والشر فى هذه القصص أعمق بكثير من مجرد قبلة حالمة على شفاه أميرة تستيقظ بعدها من نومها المسحور وأكثر تعقيدا من سبعة أقزام يتراقصون حول سنو وايت وعريسها فى مشهد النهاية.
لكن على مدى العقود الماضية تمت إعادة إنتاج هذه القصص لتكون أكثر جمالا وسعادة وأقل تعقيدا ليتقبلها الأطفال وآباؤهم.
لا يحدث ذلك فى قصص الأطفال فقط ولكن يحدث أيضا حين تسترجع الأمم تاريخها. أو بمعنى أدق إعادة كتابة تاريخها. فإذا كانت هذه الأمة واثقة من نفسها ولا تجد حرجا فى الاعتراف بأخطاء الماضي تجد أن تعاملها مع التاريخ تعامل “شيك جدا”.
فالأخطاء موجودة أمامك ولا شيء يمكن اعتباره مقدسا. بل تشجع هذه الدول طلبتها فى المدارس على كتابة آرائهم ونقدهم فى “الثوابت” التاريخية لهذه الأمة.
“ثوابت”؟ انت قلت ثوابت؟
أنا آسف فكلمة ثوابت وخاصة حين تقرن بأحداث التاريخ موجودة فقط فى عالمنا العربي والإسلامي السعيد. فالتاريخ عندنا ملفوف فى كفن ومقفول عليه فى تابوت ومدفون فى الأرض تحت طن من التراب. والويل كل الويل لمن يحاول إعادة النظر أو إعادة القراءة فى هذه الثوابت.
المؤرخ الدكتور يوسف زيدان تحمل هجوما شديدا ليس فقط بسبب رواية عزازيل ولكن لأنه حاول أن يتخذ المنهج العلمي كوسيلة لإعادة قراءة تاريخنا وذلك بحكم عمله كمؤسس لقسم ومتحف الوثائق والمخطوطات فى مكتبة الإسكندرية.
وقد رصد الدكتور زيدان في كتابه “متاهات الوهم” العديد من المغالطات التاريخية منها مثلا هذه القصة العظيمة التي درسناها في المدرسة عن أن مصر حمت العالم من غزو التتار وأنها أوقفت الجيوش الجرارة التى اجتاحت آسيا الصغرى وبغداد والشام.
ولكن ما لا نعرفه أن الجيش الأصلي بقيادة هولاكو الذي يقدر عدده بمائة وعشرين ألف جندي بعد أن دمر بغداد عاد إلى بلاد المغول بسبب صراعات مع قبائل منافسة وحيث انهزم هولاكو هناك على يد “بركة خان”، وأن ما تبقى من المغول لمواجهة الجيش المصري في عين جالوت هو جزء صغير لا يزيد على ثمانية عشر ألف جندي.
ولكن لا بأس، يمكنك أن تكذب الوثائق والمؤرخين ويوسف زيدان وتصدق فيلم “واإسلاماه”.
من الثوابت التي تربينا عليها أيضا هو جمال وقوة وعظمة الخلافة الإسلامية.
والحقيقة أن لا أحد يستطيع أن ينكر أثر الدولة الإسلامية فى التاريخ وما أضافته للتراث البشرى.
ولكن ما يستفزك أن يأتي من احترفوا التكفير والتضييق على خلق الله ليغسلوا عقول الشباب، فيحاولون أن يقنعوهم بأن هوان الأمة الإسلامية الآن سببها أننا ابتعدنا عن الدين، وان الحل لاستعادة العزة والكرامة و”أستاذية العالم” في أن نحيي الخلافة الإسلامية لنتبوأ مكاننا بين الأمم.
الغريب أن أصحاب هذه الدعاوى لا يتفاخرون أمامك فقط بالإمبراطورية المترامية الأطراف التي قامت عليها الخلافة الإسلامية ولكنهم أيضا يذكرونك بمآثر علماء العرب والمسلمين ويصرون على ربط الإسلام كدين ودولة بالتقدم العلمي في ذلك الوقت، لذلك يجب أن نحيي الخلافة لنستطيع أن ننافس الغرب الفاجر البعيد عن الدين وتوتة توتة دي قصة الخلافة.
لكن هذه ليست قصة لسنو وايت وزواجها السعيد، هذه قصة سنو وايت بعد ما اتجوزت وخلفت ورفعت على جوزها دعوة نفقة وردحوا لبعض فى المحاكم.
فالقشرة الخارجية البراقة للخلافة الإسلامية كراعٍ للعلوم والفنون (زى مبارك كده) هي قشرة هشة وكاذبة.
فمعظم العلماء المسلمين تم تكفيرهم وإصدار فتاوى بحقهم بإخراجهم من الملة.
ربما نتذكر مشهد نور الشريف وهو يلقى بتحدٍ بأحد كتبه في النار مجسدا ابن رشد الذي اضطهد لأفكاره الفلسفية وذلك فى فيلم المصير، لكن قول يا سيدي انه فيلسوف وعايز الحرق لأفكاره الفلسفية التى يمكن أن يعتبرها البعض معادية للدين، لكن ماذا عن ابن سينا وهو العلامة فى الطب؟ والخوارزمي، وجابر ابن حيان وابن المقفع والجاحظ والرازي والكندي، وابن الهيثم وأبو العلاء المعرى حتى ابن بطوطة.
كل هؤلاء كانوا علماء نوابغ فى الطب والهندسة والرياضة والشعر والأدب وغيرها من مجالات الفنون.
أليس هؤلاء من نفاخر بهم الأمم ونقول إنهم نتاج الحضارة الإسلامية ولذلك فيجب أن نبدأ الآن في تطبيق الشريعة لنعيد مجد الخلافة؟
ولكنهم لا يقولون لك أن كل هؤلاء تم تكفيرهم وحبسهم بل وقتل بعضهم باستخدام نفس الحل السحري “تطبيق الشريعة” وتحت ظل الخلافة.
هناك قصص رهيبة متعلقة بهؤلاء العلماء لا يتسع مقال واحد لسردها، ولكن وقائع التكفير واتهامات الزندقة بل التعذيب والقتل تعطيك صورة مختلفة تماما عن نهاية “التبات والنبات المتوقعة في النهاية”.
حتى علماء الدين لم يسلموا من “سماحة” الخلافة ولا حتى من بعضهم. فاتهامات أتباع ابن حنبل لأتباع أبو حنيفة بالكفر والزندقة تتسع لها المجلدات. وتعذيب ابن حنبل نفسه على يد المأمون ثم المعتصم (بتاع وا معتصماه) هي تفاصيل لا يتوقف عندها كثيرا المنادون بعودة الخلافة.
الخلافة الإسلامية لها مكانتها فى التاريخ، ولا يستطيع احد أن يحط من قدرها ولا من إسهاماتها فى تاريخ الإنسانية. ولكن أن يأتي بعض الناس ويربط بين الإسلام كرسالة روحية وبين الخلافة كإمبراطورية برجماتية فيها ما فيها من أخطاء بشرية، ثم يأتي إليك بكل ثقة ليقول إن الشريعة والخلافة هي الحل، بل ويستخدم نفس العلماء الذين تعذبوا في ظلهم كدليل على صحة حجتهم فهذا هو التدليس بعينه.
أن الذاكرة الانتقائية للإسلاميين تضعني دائما في حيرة. فهم يروجون لدخول الدين في السياسة ويتجاهلون المآسي التي نتجت عن ذلك. فأصحاب رسول الله تقاتلوا بل وقتلوا أهل بيته وهم كانوا اقرب الناس إلى مصدر النبوة، فلم ينفعهم علمهم ولا ورعهم. وأكثر الناس صلاة وسجودا كانوا خوارج فتنوا الناس فى دينهم وقتلوا على بن أبى طالب ووقف على رأسه مكبرا عبد الرحمن بن الملجم وهو يتفاخر بـ ”إن الحكم إلا لله”.
مثلما هناك قصص نفخر بها فى تراثنا الإسلامي كحضارة أثرت فى العالم، هناك أيضا العديد من القصص والحوادث التى لا نستطيع أن نتجاهلها والتي تدل على بعد الكثير من الخلفاء عن جوهر الدين وعلى أن أكثر الناس ضررا بمبادئ الدين كانوا هم أكثرهم ورعا. وأن أكثر من يتظاهر بالورع وتمسكه بالدين الآن ينادي برجوع زمن كفر العلماء وإخراجهم من الملة ولكنه يتجاهل ذلك. ويقوم هؤلاء بمحاولة بيع قصة خيالية مليئة بالتبات والنبات ليقنعك أن ازدهار العلوم جاء تحت غطاء الخلفاء والمشايخ في حين أن كل ما يفكرون فيه هو إنتاج نفس النظام التكفيري لتكون أنت ضحيته في النهاية.
التاريخ ليس مقدسا وأحداثه ملك لنا جميعا، وجزء كبير من أسباب غيبوبة هذه الأمة هي عدم قدرة أبنائها على نقد التاريخ وتحليله والتعلم من أخطائنا في السابق ولذلك فنحن أمة تنفرد بتكرار نفس أخطائها ثم نندهش لماذا نقبع في قاع التاريخ والجغرافيا والحاضر والمستقبل.
أعلم انه سيخرج بعض المتشنجين الذين سيعتبرون هذا الكلام كفرا “بالثوابت” ولكنني أعذرهم هذه المرة، فهم أنفسهم من يعتبرون التفكير نقمة والتساؤل ذنبا عظيما. هم يريدون فقط قصة سعيدة ونظيفة بلا تعقيدات وتنتهي بهذه الكلمات السحرية: "توتة توتة وفرغت الحدوتة".