أيران – تركيا .. تحالف الخطر

لا يوجد فى العلاقات الدولية شئ أسمه العواطف
الجياشة , ولكن يوجد شئ أسمه المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل , وهذا ما نراه
اليوم فى معظم التحالفات الدولية القائمة فى عالم القرن الواحد والعشرين من حولنا,
وبغض النظر عن بعض النفاق الرخيص الذى نراه فى تبرير عدم فهم الاوضاع الدولية من
حولنا والايحاء لصانع القرار بأنه المعصوم من الخطأ , نجد الواقع من حولنا يتشكل
فى مرحلة من مراحل الفوضى الخلاقة التى اخرجت السيدة كوندى ومناظريها بعض طلاسمها
للعلن , فأصبحنا نرى دول عربية تتفكك , وقبائل تتوحد وعنتريات عربية تعود ببعض
الدول المقسمة الى عصر ما قبل الاسلام حيث الكر والفر من عادات العرب .
ومن بعض عادات العرب حديثاً الوقوف فى صفوف
المتفرجين على ما يدور فيهم وحولهم , ولذا أستغرب من بعض التحليلات المبنية على
أوهام المؤامرة المحفورة فى الذهن العربى منذ القدم حول التحالف التركى الايرانى
الاخير , فأيران دولة شيعية تسعى لنشر المذهب الشيعى وأصبح لها أذرع طويلة فى معظم
دول العالم , ففلسفة ولاية الفقيه ساعدتهم كثيراً فى هذا الموضوع , وتركيا دولة
سنية تلتزم رسمياً بفصل الدين عن السياسة فى أدارة شوؤنها الداخلية , وبما بين
النظام السياسى فى أيران والنظام السياسى فى تركيا من البعد ما بين المحيط الهندى
والمحيط الاطلنطى , ولكن بينهما ملف حياة أو موت بالنسبة لكلا النظامين السياسىين فى
الدولتين أسمه ملف الاكراد .
فمع خروج الاوضاع فى سوريا عن السيطرة
وتحولها الى صراع دولى وأقليمى وداخلى واختلاط الاوراق فيها فى فوضى هدامة , وجدت
الدولتين نفسيهما فى مأزق لا يقل عن المأزق السورى ,وقد سبق وان كتبت ان تركيا سوف
تكون أول الخاسرين المعرضين للتقسيم بعد سوريا , فانفراط العقد السورى الى دويلات
سنية وعلوية وكردية فى الشمال الشرقى لسوريا سوف يتبعه بزوغ شمس الحلم الكردى
القديم حيث دولة الاكراد الكبرى على أجزاء من الاراضى السورية والعراقية والتركية
والايرانية معاً.
وهذه الاراضى التركية والايرانية المرشحة
للاقتطاع هى سر التحالف بين الدولتين , فهو التقاء مصالح واتقاء لخطر قادم عليهما
معاً , تحالف من أجل بقاء أراضى كلا الدولتين كاملتين راأراضى ,
وليس تحالفاً موجهاً ضد أحد على ما أعتقد , فالاوضاع على الحدود التركية السورية
أشبه ببركان يغلى ومهدد بالانفجار فى اى لحظة وخاصة بعد تعقد المشهد السورى , أما
أيران اللاعب الرئيسى فى الملفين السورى ومن قبله العراقى فهى دولة تستثمر الفشل
العربى المشترك , فقد تركنا الاوضاع فى العراق تدار من واشنطن و طهران وتركنا
الاوضاع فى سوريا تدار من عدة عواصم أجنبية تحارب بعضها البعض ولكن بسلاح سورى
وبمواطنين وجنود سوريين فالاموال والضحايا من سوريا .
ولذا فبدلاً من سخافات الحديث عن حلف بغداد
الجديد وأوهام المؤمرات الاجنبية , علينا البحث فى مواطن القوة لدينا وترتيب بيتنا
من الداخل على أسس سليمة كى يبقى قوياً فى مواجهة اى رياح خارجية قد تهب علينا فى
اى يوم من الايام , كى نستطيع ان نستعيد قوتنا الناعمة التى كانت فى عهد عبد
الناصر وما قبل عبد الناصر حيث كانت مصر قبلة العلماء والمفكرين والمثقفين من
مختلف دول العالم , وكان والف كان من نجاح حققناه فى الماضى البعيد والقريب ,
ويمكننا ان نحققه من جديد اذا أيقن الجميع ان مصر فوق الجميع .