المرأة ومجلسها

كانت السيدة خديجة (أولى زوجات سيدنا محمد) - عليه أفضل الصلاة والسلام - تاجرة ذات مال تدفع الأموال فى المضاربة وتستأجر الرجال للتجارة، عُرفت بالعقل والحزم. ومن حبه لها لم يتزوج عليها فى حياتها وكانت سنده فى الحياة. هى أول من آمن به وبالتالى فأول من دخل الإسلام امرأة.
فى يوم الحديبية دخل رسول اللَّه، صلى الله عليه وسلم، على أم سلمة يشكو إليها عدم إجابة المسلمين مطلبه حين أمرهم بالنحر والحلق. فقالت، رضى اللَّه عنها، للنبى: «يا رسول اللَّه، اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك». ففعل النبى ذلك بعد أن استصوب رأى أم سلمة، عندها قام الناس فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً.
إنها أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبى أمامة بن المغيرة، التى أصبحت تلقب بـ«صاحبة الرأى والمشورة». أما ميمونة بنت الحارث فقد كانت آخر من تزوج الرسول وعُرفت بالعبادة واشتهرت بالزهد، قالت عنها أم المؤمنين السيدة عائشة، رضى اللَّه عنها: «إنها كانت من أتقانا للَّه وأوصلنا للرحم»، جاهدت فى سبيل اللَّه واشتركت فى معركة تبوك تنقل إلى المجاهدين الماء والزاد، وتسعف الجرحى، وتداوى المرضى، وتضمد جراحهم، وقد أصابها يومئذٍ سهم من سهام الكفار، لكن عناية اللَّه حفظتها. وإن أردتم أن أضرب الأمثال حول دور المرأة، فى الإسلام فهى كثيرة، وإن كنت مؤمنة بأن التاريخ قد كُتب بيد الرجال وَظَلم المرأة ظلماً شديداً وأصر على حصرها فى أدوار ثانوية.
ومؤخرا بدأ الكلام عن إلغاء المجلس القومى للمرأة أو استبدال كلمة «المرأة» بكلمة «الأسرة»، وبالتالى دور المرأة بالأسرة، على الرغم من وجود مجلس للأسرة والسكان ومجلس للأمومة والطفولة فإن هناك إصراراً من جانب حزب الحرية والعدالة على الإلغاء. طبعا الدكتور «الجنزورى» وله كل التحية فى هذا الأمر، أصر وشكل المجلس، بل وفى سابقة جعل نائب الرئيسة الدكتورة ميرفت التلاوى رجلا هو المستشار نور الدين فرحات، لكن مجرد اقتراح إلغاء المجلس أو تغيير المسمى أفزعنى لعدة أسباب:
أولها أنه لا يجوز الاستمرار فى سياسة هدم المعبد، بمعنى أن كل ما كان قبل 25 يناير باطل وكل ما هو بعده حق، وهى سياسة فرعونية قديمة انتقدناها مرارا وتكرارا وها نحن اليوم نعود إليها لمجرد أن من أنشأ المجلس هى السيدة سوزان مبارك. ثانيها تساؤل: هل كلمة امرأة عيب؟ هل نلغى النساء ونكتفى بجنس واحد؟ هل هن عورة؟.. لا أفهم لماذا تصبح كل الأسباب والحجج واقعية ومقبولة عندما تكون عن الرجل ويكون هناك إصرار على حصر المرأة فى الأسرة؟ ماذا لو لم تتزوج؟ أو كانت أرملة؟ أو لم ترزق بأولاد؟ ماذا عن النساء المعيلات اللاتى ينفقن على أزواجهن الذين يعيشون عاطلين يتناولون البرشام والمخدرات من عرق زوجاتهم وهن كثر؟ والسيدة من هؤلاء بمائة رجل، أم هو أفضل لمجرد أنه الرجل؟!.. أنا من قارئى التاريخ الإسلامى بشكل جيد جدا وأستطيع أن أؤكد أن الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، لم يكن يقصى النساء.
وقبل الرسول، صلى الله عليه وسلم، نجد الله سبحانه وتعالى حريصاً فى آيات قرآنه وقرآننا الكريم على قول المذكر والمؤنث: المؤمنون والمؤمنات، القانتون والقانتات، وفى أول سورة النساء - ولاحظوا أنه ليس هناك سورة الرجال كأنه سبحانه وهو العادل قد علم أن النساء عبر الأزمنة سيتم تهميشهن واضطهادهن - قال سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ»، وقال سبحانه تعالى أيضا: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» (الأعراف: 189)، وقال تعالى: «خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا» (الزمر: 6)، وساوى بين الرجل والمرأة فى العبادات والتكاليف الشرعية فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13) ولنقف أمام عليم خبير، الله سبحانه وتعالى، لم يفرق بين الرجل والمرأة فى كتابه الكريم، وها هم عباده يصرون على التقليل من دور المرأة وعلى عودتها سنين عديدة للوراء. حزينة أنا لمجرد نقاش الأمر وفكرة اختزال المرأة فى تابع للأسرة لأن قصر دورها على أسرتها فيه تقليل من شأنها مهما ادعى الآخرون العكس.
( نقلاً عن المصري اليوم )