"أسرى الداخل" عقدة إسرائيلية جديدة لتمديد المفاوضات المتعثرة مع فلسطين

تبدع إسرائيل في وضع العقبات تلو العقبات أمام مفاوضات السلام التى استؤنفت برعاية أمريكية في يوليو الماضي بعد تعثر دام أكثر من ثلاث سنوات بسبب سرطان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان أحدث حلقة في هذا الأمر التهرب من التزاماتها بالافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامي المقررة في 29 مارس الجاري ومحاولة ابتزاز المفاوض الفلسطيني برفض الافراج عن "أسرى الداخل" (عرب 48) وربط ذلك بتمديد المفاوضات المتعثرة المقرر انتهاؤها في 29 أبريل المقبل.
واستؤنفت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية نهاية يوليو 2013 بعد انقطاع دام ثلاث سنوات ، ويفترض أن تفضي حتى نهاية ابريل القادم إلى "اتفاق اطار" يحدد الخطوط العريضة لحل نهائي للنقاط الأكثر حساسية وهي الحدود والمستوطنات والأمن ووضع القدس واللاجئين.
ووافقت إسرائيل – كبادرة حسن نية - على الإفراج عن الأسرى المعتقلين ما قبل توقيع "اتفاق أوسلو" عام 1993 وعددهم 104 أسرى على 4 دفعات على مدة 9 أشهر ، وأطلقت بالفعل 78 أسيرا على ثلاث دفعات وتبقى الدفعة الرابعة والأخيرة التي تتضمن 14 أسيرا من فلسطينيي الداخل من حملة الهوية الإسرائيلية.
ووسط تباعد المواقف بين الجانبين نتيجة طرح حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لقضايا لم تكن مطروحة من قبل على طاولة المفاوضات ومنها المطالبة بالاعتراف الفلسطيني بما يسمى "يهودية الدولة" ، زاد من تأزم الموقف رفض الافراج عن "أسرى الداخل".
فمن جانبهم ، يصر الفلسطينيون على الافراج عنهم ضمن الدفعة الرابعة وضرورة تحريرهم لانهم اعتقلوا على خلفية أعمال مقاومة ضد المحتل ، في المقابل تتذرع إسرائيل بأنها لم تتعهد للفلسطينيين بالإفراج عنهم وإنما من تعهد بذلك هو وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فضلا عن أن السلطة الفلسطينية تمثل الفلسطينيين الذين يعيشون في منطقتها ، ولا تستطيع التحدث باسم الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل ، وانعكس هذه التباين في المواقف في التصريحات النارية والتهديدات المتبادلة بين الطرفين حول هذه القضية.
فمن جانبه ، حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، إسرائيل من مغبة الإخلال بالاتفاق الموقع معها عبر التهرب من إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.
وقال عباس في اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح الذي عقد في مقر الرئاسة في رام الله السبت الماضي"نحن بانتظار إطلاق سراح الدفعة الرابعة التي تم الاتفاق عليها مع الإسرائيليين من خلال الولايات المتحدة".
وتابع "إذا لم يطلق سراح هؤلاء، فهذا إخلال كامل بالاتفاق ويعطينا الحق لأن نتصرف بالشكل الذي نراه مناسبا ضمن حدود الاتفاقيات الدولية" ، ووفقا لتقديرات فلسطينية ، يقبع في سجون الإحتلال أكثر من (4800) معتقل فلسطيني موزعين على 22 سجنا ومركز اعتقال أو توقيف، ومن بينهم (162) طفلا و(17) امرأة و(15) معتقلا أمضوا فترة تزيد عن 25 عاما.
بدوره ، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس ، إن رفض حكومة نتنياهو الافراج عن الأسرى الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 "سيترتب عليه تقويض العملية السياسية برمتها".
وأضاف:" في حال أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة الكارثية فإنه سيكون على منظمة التحرير الفلسطينية التوجه فورا إلى الانضمام إلى المؤسسات والمعاهدات الدولية، بما يمكن من فتح جبهة مع الاحتلال في كل أنحاء العالم".
وشدد فارس على أن "قضية الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى وعلى رأسهم الأربعة عشر أسيرا من الأراضي المحتلة عام 48، غير خاضعة للمساومة إطلاقا".
وكان عدد من أركان الحكومة الإسرائيلية قد أبدى معارضته لإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى..فيما طالب آخرون بالاحتفاظ بهم كورقة ضغط على الجانب الفلسطيني لتمديد المفاوضات.
وقال وزير العلوم يعقوب بيري :"طالما لا نعرف ما الذي سيحدث - وهل سيتم تمديد المفاوضات - فإنه سيكون من الصعب أن توافق إسرائيل على خطوة كبيرة مثل إطلاق سراح عرب إسرائيليين في الدفعة الرابعة".
وأضاف بيري - الذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" بين عامي 1988 و1995 واعتقل في عهده 95 من الأسرى القدامى - أن على "إسرائيل أن تتأكد من أن المفاوضات ما زالت جارية للموافقة على الدفعة الرابعة".
من جهته ، قال وزير الخارجية المتطرف افيجدور ليبرمان ، إنه سيعارض أي عملية إفراج عمن وصفهم "مخربين" ، مضيفا أن "حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يرأسه "سيصوت ضد إطلاق سراح "مخربين من مواطني إسرائيل العرب في إطار أي عملية إفراج مستقبلية".
وأشار إلى أنه "لا يرى أي فرصة..إن لم يكن من الواضح مسبقا بان المفاوضات ستستمر حتى نهاية العام"، وأضاف "في حال عدم وجود تغيير في اللهجة والموقف فلا جدوى من إطلاق سراحهم".
في السياق ذاته ، هدد نائب وزير الدفاع الإسرائيلي داني دانون بأنه "سيستقيل من منصبه إذا تم الافراج عن قتلة فلسطينيين" (حسب وصفه).
وقال دانون وهو قيادي في حزب "الليكود" اليميني إن "إطلاق سراح المخربين يساعد رئيس السلطة محمود عباس ويضعف الموقف الإسرائيلي".
وكشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" أن السلطات الإسرائيلية سلمت المبعوث الأمريكي للسلام "مارتن إنديك" ، قائمة بأسماء 26 أسيرا فلسطينيا تعتزم إطلاق سراحهم ضمن الدفعة الرابعة.
وقالت الصحيفة في عددها الصادر أمس " إن القائمة لا تشمل أسرى من الداخل، وإنما تشمل أسرى تمت إدانتهم بارتكاب هجمات قبل اتفاق أوسلو، إلا أنهم اعتقلوا وحوكموا بعد اتفاق أوسلو".
وأشارت إلى أن لدى انديك حاليا قائمتين، الأولى تتضمن أسماء 14 أسيرا من الداخل وهو مطلب السلطة الفلسطينية، والأخرى لا تتضمن هؤلاء الأسرى بل تشمل من تم اعتقالهم بعد اتفاق أوسلو، بسبب قيامهم بأعمال قبل أوسلو وهو ما يمثل التسوية الإسرائيلية لحل المشكلة.
وتربط حكومة نتنياهو إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى بضمان استمرار المفاوضات التي تراوح مكانها مع الفلسطينيين لمنعهم من التوجه إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها، خاصة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مسؤول سياسي ، وصفته بالكبير قوله ، إن "إسرائيل ستعيد النظر في مسألة الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من السجناء الأمنيين الفلسطينيين إذا تبين أن المحادثات مع الفلسطينيين قد آلت إلى طريق مسدود".
وأضاف " لا يعقل أن تطلق إسرائيل سراح مخربين وبعد أسبوعين يقوم أبو مازن بكسر القواعد ويتوجه إلى الأمم المتحدة".
ووفقا لوسائل إعلام عبرية فأن من بين الحلول المطروحة للخروج من هذا المأزق أن توافق إسرائيل على الإفراج عن الدفعة الرابعة ومن ضمنها أسرى الـ48 مقابل تمديد المفاوضات واطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد المعتقل لدى الولايات المتحدة منذ عام 1986.
وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم عن بلورة صفقة شاملة للإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى بمن فيهم أسرى الداخل المحتل مقابل موافقة فلسطينية على تمديد المفاوضات حتى نهاية العام، وموافقة أمريكية على الإفراج عن الجاسوس بولارد.
وذكرت أن العرض قدمه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وجاء بعد إبلاغ نتنياهو لكيري بعدم نيته الإفراج عن أي أسير في حال عدم الموافقة على تمديد المفاوضات ، وأشارت إلى أن من شأن الإفراج عن بولارد أن يخفف من المعارضة الداخلية الإسرائيلية للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مما يسهل على نتنياهو تمرير القرار واقناع وزرائه بتأييد الخطوة