قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الخلطة السحرية للحِفاظ على «المُباركية»


لم أفاجأ على الإطلاق بما حدث منذ عدة أيام حين وصلت القاهرة طائرة عسكرية أمريكية خاصة لنقل مجموعة من المواطنين الأمريكيين، كان قد تم توقيفهم وتقديمهم لمحكمة الجنايات، بعد أن تلقت تعليمات بذلك من وزيرة الخارجية الأمريكية، التى أكدت أن مسألة منع أمريكيين من السفر ستنتهى خلال ساعات وهو ما حدث بالفعل، حيث كان يُرتب لهذا الفعل مجموعة من القُضاة المستعدين لتلبية الأوامر العليا بتطويع القوانين وتفسيرها حسبما يريد السلطان، ليؤكدوا ما نعرفه نحن وأصبح العالم كله بعد هذه الحادثة يعرفه، وهو أن قضاء مصر لم يكن فى يوم من الأيام قضاءً مُستقلا، وأنه رهن إشارة الطاغوت الذى يحكم أياً كان اسمه.
صحيح أن فى مصر قضاة عظماء أجلاء شوامخ، لا يمكن أن ينكر فضلهم وقدرهم أحد، ولكنهم للأسف يعملون فى ظل منظومة فساد وإفساد سادت لعقود طويلة ومازالت حتى اليوم، ومنهم من يحاولون منذ سنوات تطهير ثوبهم الأبيض من دنس البعض، الذى باع نفسه للشيطان نظير المنصب والجاه والمال، ولكن للأسف لم يستطيعوا حتى الآن إقرار وتفعيل قانون استقلال القضاء الذى صاغه بعض من شرفائهم. أقول إننى لم أفاجأ بل إننى راهنت أحد الأصدقاء على أن هذا سوف يحدث قبل حدوثه بأيام، وإن لم أكن أتوقع أن تتم العملية بهذه الفجاجة وقلة القيمة بتحصيل مبالغ كبيرة غير قانونية بطريقة المثل الشعبى «اللى ييجى منهم أحسن منهم»!..
فالقضية من أولها إلى آخرها قضية سياسية، ومن دبرها وافتعلها كان يُخاطب بها العوام من الشعب ويُراهن على عدم قدرتهم على تدبر الأمور أو رغبتهم فى إرهاق أدمغتهم بالتفاصيل، ويعتمد على عملائه من المشايخ والإعلاميين فى تضخيم القضية وافتعال معارك وهمية تتيح لهم الانشغال عن المواضيع الأهم وإظهار أنهم وطنيون غيورون، وأن العديد من القوى الشبابية التى لعبت دوراً محورياً فى إشعال فتيل الثورة هم مأجورون ومنفذون لأجندات خارجية تهدف إلى تمزيق أوصال الوطن، وهو نفس ما تتقيأه بالحرف كل النظم الديكتاتورية التى سقطت أو التى هى فى الطريق إلى السقوط.
لم يكن توقعى نابعاً عن علم بالغيب ولا راجعاً لمعرفتى بما يجرى خلف الكواليس، وإنما لسبب بسيط وواضح وهو أن «المُباركية» بمعنى نظام مبارك الفاشل وطريقة تفكيره العقيمة وأسس بنيانه الخَرِبة بل وحتى معظم شخوص عصره الفاسدة مازالت لها السيادة والكلمة العليا على أرض المحروسة حتى اليوم.. إن استمرار «المُباركية» بدون مبارك وعائلته وبطانته المُقربة هى هدف الثورة المضادة التى ترعاها أمريكا وحلفاؤها فى المنطقة، لأن فى استمرارها الضمان الأكيد لهيمنتهم على المنطقة وبقاء مصر دولة فاشلة تحتاج على الدوام إلى معونتهم وإحسانهم.
لقد فضح هذا المخطط الشيطانى كاتب أمريكى شهير يكتب فى كبريات الصحف العالمية اسمه جيمس بتراس ضمن كتاب صدر له مؤخراً سرد فيه ماكان يحدث داخل البيت الأييض والخارجية الأمريكية أيام اندلاع الثورة المصرية والتى وصفها بأنها كانت مذهلة لهم ولأجهزة مخابراتهم، مما أدى إلى حالة التخبط والانقسام التى ظهرت فى المواقف الأمريكية وقتها، وكيف أنهم اضطروا تحت ضغط الشعب المصرى العظيم إلى القبول بالتضحية بعميلهم الأهم فى المنطقة ولكن على أساس أن يقوم مجلس العسكر الذى يعرفونه جيداً بإدارة الأمور وفق خارطة الطريق التى وضعوها لقوى الثورة المضادة بغرض الحفاظ على «المُباركية» كنظام متعاون ومُهادن معهم، مُتسلط مُتجبر على شعبه.. وحددوا لهم من يتعاونون معهم فى هذه المرحلة وهم بالأساس فئتان: الذين يجيدون استغلال العواطف الدينية المُتجذرة فى نفوس غالبية الشعب المصرى نظير رغبتهم الجامحة فى الحصول على شرعية يفتقدونها وسلطة يتوقون إليها منذ زمن بعيد، وفئة الذين حققوا الثروات الطائلة وسرقوا ثروات الوطن اعتماداً على علاقاتهم المشبوهة بالطاغية المخلوع وعائلته وأذنابه ولديهم القدرة على التحكم فى اقتصاد الدولة وفى أرزاق شعبها المُبتلى.
لم يكن غريباً إذن ذلك المشهد العبثى الذى رأيناه فى وسائل الإعلام المختلفة الأسبوع الماضى حيث اجتمع رمز شيوخ المهانة والخضوع لأولى الأمر مع فلول النظام السابق من مسؤولين وزاريين وإعلاميين مُلوثين لتمثيل دور المناوئين للأمريكان والصهاينة، وينشئون الصناديق لجمع التبرعات دعماً للعسكر فى مواجهتهم الوطنية مع الغرب الكافر، ولا بأس من بعض الخطب الرنانة والجعجعة الفارغة التى سرعان ما خبا صوتها مع أزيز الطائرة العسكرية الأمريكية تشق عباب سماء مصر حاملة المواطنين الغربيين كلهم إلى بلادهم، وصوت وزيرة الخارجية الأمريكية وأعضاء الكونجرس الأمريكى وهم يوجهون الشكر لكل من حافظ على «المُباركية» من عسكر ومشايخ ورجال أعمال حرامية!
نقلا عن المصري اليوم