الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

1300 أب وأم يشكون جحود أبنائهم أمام محاكم الأسرة فى 2017: «ربينا وكبرنا وأما عجزنا ولادنا رمونا فى الشارع».. «فاروق» يصرخ: «ولادى تخلوا عنى بعد ضياع فلوسى وسابونى أشحت وأنام على الرصيف»

صدى البلد

آباء وأمهات دفعوا حياتهم ثمنا لراحة أبنائهم، وانتظروا بعد سنوات من الشقاء والتعب والسهر حصاد ما زرعوه لكنهم لم يجدوا من أولادهم سوى الجحود والتنكر لجميلهم، وبات القانون هو سبيلهم الوحيد للحصول على حقوقهم المشروعة من أبناء نسوا أن "بالوالدين إحسانا".

وقد ترجمت سجلات ودفاتر محاكم الأسرة مشكلة تخلى الأبناء عن آبائهم ورفضهم اﻹنفاق عليه، رغم علمهم بعدم وجود مصدر رزق أو دخل شهرى لهم يكفيهم شر العوز وسؤال العالمين فى أواخر أيامهم بضعة جنيهات تبقيهم على قيد الحياة، فى أرقام، حيث كشف رصد عشوائى لمحاكم الأسرة أجرى خلال العام الحالى عن شكوى 1300 أب وأم من رفض أولادهم مساعدتهم ماديا بعد بلوغهم سن العجز رغم يسار حالهم.

"ماكينة صرافة"
بجسد أنهكه المرض وحولته الغربة إلى حطام وعين دامعة على 30 عاما قضاها مع زوجة استولت على ماله ثم خلعته، يسقط "فاروق" صاحب الـ63 عاما على كرسى يقاوم السقوط مثله قابع داخل إحدى قاعات الجلسات بمحكمة الأسرة بزنانيرى، منتظرا بدء جلسة نفقة الأقارب التى أقامها ضد أولاده الثلاثة بعدما تنكروا له –بحسب روايته- بعد فراغ محفظته وتركوه يمد يده للعالمين كى يبقوه على قيد الحياة.

يسرد الأب الستينى حكايته لـ"صدى البلد" قائلا: "لم يخطر ببالى يوما أن تخون زوجتى التى رافقتنى ثلاثين عاما عشرتى، وأن تهدم البيت الذى حاربت ليستقر ويستمر، وتغربت فى الكويت سنوات وسنوات، لأحصد لها ولأولادنا الثلاثة ما يكفيهم ويحميهم من شر الزمان وقسوة الحاجة والعوز، وألقيت بين يديها كل ما أجنيه تفعل به ما تشاء، وسجلت كل ما أملك باسمها من عقارات وأراضٍ، حتى أرصدتى فى البنوك هى المتصرفة فيها، وهى الوحيدة التى تمسك بمفاتيح ثروتى، أنسيت أننى لم أكل أو أمل يوما، ولم تخرج من فمى شكوى؟! وكنت أحبس بين ضلوعى تعبى من عناء العمل ليلا ونهارا ووحشة الغربة حتى لا يشعر أحد؟!، لكنها طوال عمرها هكذا الطمع يسكن صدرها".

يصمت الأب الستينى قليلا ثم يتابع كلامه عن غدر طليقته وجحود أولاده بنبرة مجروحة: "مازلت أتذكر كلمات زوجتى الغاضبة حينما علمت بقرار إنهاء غربتى للأبد، وقضاء ما تبقى من عمرى وسط أولادى الذين أداروا ظهورهم لى فور فراغ محفظتى، وتركونى فى الشارع بعد بيع والدتهم لشقتى وممتلكاتى دون علمى، أمد يدى للناس وكأننى لم أكن بالنسبة لهم أكثر من "ماكينة صرافة"، متناسين أننى السبب فيما وصلوا إليه من مناصب فابنى حارس مرمى بناد خليجى شهير، وابنتى إحداهما تعمل طبيبة والأخرى مهندسة، ولولا زواجى من جارتى التى وقفت إلى جوارى فى محنتى، وقبلت بظروفى لكنت لا أزال شريدا أتنقل بين الأرصفة"، تغافل الدموع عيون الأب وهو ينهى حكايته: "يا ليتنى مت وكنت نسيا منسيا قبل أن أطأ بقدمى ساحات المحاكم ويعشش الخراب فى بيتى، وللأسف كله بالقانون".

"قلب ابنى حجر"
على مقربة من غرفة المداولة بمحكمة الأسرة بمصر الجديدة، وقفت السيدة العجوز بثيابها السوداء التى تشبه ملابس الحداد ونظارتها ذات العدسات الداكنة التى اتخذت منها ستارا تدارى به عينين أرهقهما البكاء من عقوق ابن كرست سنوات حياتها من أجله حتى أوصلته إلى أعلى المناصب، فكافأها بعد أن اشتعل رأسها شيبا بطردها من البيت عقب وفاة والده ورفض الإنفاق عليها رغم يسار حاله - بحسب ما ذكرته - فى انتظار الإذن لها بالمثول أمام القاضى فى قضية نفقة الأقارب رقم 134 لسنة 2016 التى أقامتها ضد ولدها لإلزامه بالإنفاق عليها.

تقول الأم بصوت تتلون نبراته بالبكاء: "كرست حياتى لتربيته، ولم أقصر معه يوما أو أحرمه من شىء قط، حتى أصبح رجلا محترما، يعمل بالسلك الدبلوماسى ويشار إليه بالبنان، وبدلا من أن يحملنى ويرعانى فى كبرى ويكرمنى حتى يوارى الثرى جسدى، كما حملته وهنا على وهن، ويكفينى شر العوز والحاجة، طردنى من البيت عقب وفاة والده ليستولى بمفرده على الشقة، ولم يبال بما قد يحدث لى وأنا فى هذة السن المتقدمة، ولم يسأل نفسه إلى أين سأذهب، وكيف سأدبر حالى وأنا ليس لى مورد رزق أو مرتب شهرى ثابت، المهم أن يتخلص منى وحسب".

تحاول الأم العجوز السيطرة على دموعها وهى تواصل روايتها: "وبعد طرد ابنى لى، وجدت نفسى وحيدة فأخذت أطرق أبواب الأقارب والمعارف لعلى أجد منهم من يأونى فى بيته، لكن لم أجد أحدا يتحمل عجوز مثلى مفلسة وتحتاج إلى رعاية خاصة، وإذا كان ابنى لم يتحملنى وألقى بى فى الشارع، فلا عتاب على القريب أو الغريب، وبعدما ضاق بى الحال، وسدت كل منافذ الرحمة فى وجهى، طالبته ابنى بالإنفاق على، لكنه أدار لى ظهره، ورفض رغم يسار حاله، فلجأت إلى محكمة الأسرة وأقمت ضده دعوى تسمى "نفقة الأقارب" لإزلزامه بدفع مبلغ شهرى لى يكفينى، وأرفقت بها ما يثبت أن دخله لايقل عن 4000جنيه، وأننى عاجزة عن الكسب وليس لى من يعولنى سواه ولا دخل لى".

"أنت ومالك لأبيك"
وفى هذا الشأن، أوضح مصدر قضائى لـ"صدى البلد" ماهية نفقة الأقارب وشروطها قائلا إن نفقة القريب إنما توجب على قريبه لدفع حاجته فهى صلة شرعية للحاجة إلى ما يقيم أود الحياة حتى لا يتعرض للهلاك وهذه النفقة تندفع باندفاع الحاجة إليها بأى سبب من الأسباب، مشيرة إلى أن وجوب نفقة الأصل على فرعه قد استندت إلى قول الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"، وقوله صلى الله عليه وسلم "أنت ومالك لأبيك"، وهذه النفقة تندفع باندفاع الحاجة بأى سبب من الأسباب وتقضى بنفقة الأقارب من تاريخ الحكم لأن نفقتهم شرعت لدفع الحاجة، والحاجة تندفع قبل الحكم، ولذلك لا يجوز للقريب أن يرفع دعوى مطالبا بنفقة سابقا قبل صدور الحكم.

وأضاف أنه يشترط لاستحقاق الأصل للنفقة على فرعه شرطين أساسيين، الأول: "أن يكون الأصل معسرا حتى ولو كان قادر على الكسب فلا يشترط عجزه عن الكسب حتى يستحق النفقة على فرعه فإذا كان كسوبا إلا أن كسبه لا يفى بحاجته قضى له بما يكمل تلك الحاجة"، والثانى: "أن يكون الفرع كسوبا وأن يفيض من كسبه ما يكفى بحاجة أصله".

وأشار إلى أنه تجنب للحواشى النفقة فى حالة انعدام وجود الأصول أو الفروع أو وجودهم مع عدم توافر شروط إيجاب النفقة ويشترط لوجوب النفقة للحواشى 3 شروط: "اتحاد الدين، أن يكون طالب النفقة معسرا أو أن يكون طالب النفقة غير قادر على الكسب، وأن يكون المطلوب منه النفقة موسرا يفيض من كسبه بعد نفقته ونفقة عياله ما يفى بنفقة قريب المدعى، ولا يعتبر القادر على الكسب موسرا إلا إذا كان يفيض من كسبه ما يفى بنفقة قريبه المدعى فلا يكفى أن يكون قادرا على الكسب".