الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زين ربيع شحاتة يكتب : الحوار درع الوطن الاجتماعية

صدى البلد

الحوار أحد أهم وأبرز العوامل التى تساهم فى بناء جسور الثقة بين عناصر المجتمع المختلفة عقائديًا وسياسيًا وفكريًا ، وقبل الخوض فى "الحوار" كأحد أهم آليات إنشاء عمق إستراتيجى داخلى للوطن علينا ان ننظر إلى الاختلاف كسنة كونية ، 

فقد خلق الله الانسان مختلفًا فى اللون ، واللسان ، والطباع ، والإدراك ، والمعرفة ، والعقل ، ولو لا هذا الاختلاف لكانت حياتنا الإجتماعية كحياة النحــل والنمل ، وأرواحنا كأرواح الملائكة ، وما رأينا قط إختلاف أو نزاع ، أى أننا خلقنا على إستعداد للاختلاف والفرقة نحن مختلفون فى آرائنا وأهدافنا وأهوائنا ، وكذلك ننظر إلى الحوار على أنه طوق نجاة نتمسك به ونجتهد من اجل الوصول به إلى الأهداف التى عقد من اجل الوصول إليها ، 

فبديل الحوار كارثى ، فتوقف الحوار بين الزوج والزوجة يعنى الطلاق وتدمير الأسرة نواة المجتمع وجميعنا نتلمس إرتفاع معدلات الطلاق وخاصة بين الشباب ، توقف الحوار بين الأشقاء فى قضايا الميراث يعنى قطع أرحام و خصومة قضائية وقد تصل إلى خسائر فى الأرواح ، 

توقف الحوار بين شركاء عمل يعنى صراعا مباشرا أو غير مباشر ، توقف الحوار بين قائدى سيارتي بعد تصادم يعنى صراع بدنى وخصومة قضائية ، وهكذا أى أن تنمية ثقافة الحوار واحترافه بين المواطنين سيساهم فى التقليل من معدلات الطلاق والجريمة والقضايا المتكدسة فى محاكمنا المختلفة ، 

وتبقى الكارثة الأكبر توقف الحوار الفكــرى لأنها لا تدمر أسرة بل قد تدمر شعب ، ولدينا فى تاريخنا الإسلامى امثلة كثيرة نذكر منها الصراع الذى شهدته الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ والفرقة التى وقعت بين الحسن بن على ، ومعاوية بن أبى سفيان ـ رضى الله عنهما ـ 

وبالرغم من إنتهاء الفتنة بتنازل الحسن بن على ـ رضى الله ــ عنه لمعاوية بن أبى سفيان ، إلا أن آثار الفرقة الفكرية ظلت راسخة فى الأذهان وتوارثتها الأجيال ولازالت المنطقة العربية وبخاصة منطقة الخليج العربى تعانى من آثارها حتى الأن ، 

ومن أمثلة الصراع الفكرى تلك التى حدثت فى القرن الخامس والسادس الهجرى ( الفتنة بين الحنابلة والأشاعرة فى بغداد ) حيث بدأت فى حياة ابى الحسن الأشعرى بتدافع الفريقين ، وبعد أكثر من مائة عام إشتعلت الفتنة مرة أخرى بين أنصار كل فكر ونتج عنها عشرون قتيلًا وعشرات الجرحى ، وظلت هذه الفتنة قائمة لسنوات وحصدت العديد من الأرواح وصاحبها تعطل التقدم الفكرى والثقافى للإنشغال بالصراع الدائر بينهم .

وهناك العديد من الأمثلة التى كان الحوار فيها طوق نجاة للأمة نذكر منها الحوار الذى دعا إلية الخليفة عمر بن عبد العزيز عام (101هــ) ، حيث تولى الخلافة فى فترة حرجة إجتماعيًا ، لما شابها من خلافات فكرية إتسعت معها دائرة العنف الدينى على يد الخوارج و خروج العديد من المواطنيين عن القانون والنظام ، فدعا الخليفة عمر بن عبد العزيز جميع التيارات الفكرية المتحاربة إلى حوار فكرى هادئ بعيدًا عن العنف والقطيعة والتعصب ونتج عنها هدوء المجتمع وإستقراره وكانت بداية إنطلاق لبناء دولة قوية سطرت تاريخ حاشد بالإنجازات ، 

ومن القضايا الفكرية التى تناولها حوار عمر بن عبد العزيز الحوار مع "غيلان الدمشقى" فى (نفى القدر) ، وحوار الخوارج فى (تكفير المسلمين بالمعاصى) ، ونلاحظ هنا دور الحوار فى حفظ إستقرار المجتمع رغم أن الخلاف كان أعمق بكثير من الخلافات الحالية التى أشعلت دول كانت بالأمس القريب رايتها خفاقة فى سماء الأمــم .

بعد أن إستعرضنا الحوار وأهميته علينا وعلى مؤسسات الدولة نشر ثقافة الحوار وصولًا إلى ثقافة شعب محترف يدرك دروب الحوار ويحترف اللعب على أوتاره ليهنأ بحياة إجتماعية صحية وينعم بوطن مستقر يحفظ حاضره ويحوى مستقبله.