عن المرأة التي تحب الإهانة

وهبت لي الأقدار أن أصادف في حياتي نساء أنقى من النقدى المقطر وأشف من البلور.. ابتسامتهن تضع على رأسي تاجاً من السعادة أقابل به العالم.. سلامهن برداً وسلاماً.. وملامحهن تمنحني اليقين بأن الجنة حق وأن عيني قد لمحت طرفاً منها.
كما ساقتني تلك الأقدار لأعرف نساء مجرد أن أتذكرهن أشعر بأن صرصوراً صغيرا قد تسرب في غفلة مني الى أذني الداخلية وتاه في قنواتها الضيقة.. فإن بقي حياً معي سيسبب الماً وصداعاً لا ينتهي أما ان مات ( الصرصور) فعلي أن أتهيأ أن أعيش باقي العمر وداخل رأسي أشلاؤه العفنة.
وبين هؤلاء هناك الكثير.. يعنيني اليوم منهن نمطاً قابله رجال كثيرون .. ويعرفونه جيداً .. وهي المرأة التي تحب الإهانة ..
مثال للإيضاح .. قابلتها في بدايتي وكنت شاباً غريراً.. لا أفهم من العالم إلا ما علمته من الأفلام الأبيض والأسود، بل وأصدق أن محمود ياسين يمكن أن يكون شاباً جذاباً ( في بدايات التسعينات).. رأت من عاملها كما الأميرات.. فتركته وذهبت لمن يجعلها تجري خلفه لاهثة دون أن يراها أصلاً.. تعجبت ولم أفهم ( أيامها ) وتخيلت أن إهانة الثاني لها أجمل وأعذب من احترام الأول.. ولكم أن تتخيلوا ما حدث من دمار لثقته في نفسه أيامها.. تعلمت بعد ذلك أن العيب لم يكن فيه لكن فيها لأنه عاملها بأدب في حين كان يجب لتنجذب له أن يعاملها ب صفاقة وعدم احترام .
مع الأيام والسنين الكثيرة والتجارب المتنوعة.. صرت أعرف المرأة من هذا النوع بسرعة و للأسف أجدت التعامل معهن.
إنها امرأة ليست بالضرورة ماسوشية .. أي لا تستعذب الألم حتماً.. لكنها تعشق أن يتم التعامل معها بدونية .. وتكره أو على الأقل تمل جداً ممن يعاملها باحترام وتقدير.. ويهفو قلبها لمن يحتقرها.. هن موجودات في كل الطبقات وكنت أعرف معرفة جيدة جداً صديقة مقربة تلح في مضايقة زوجها دائماً بدون أي مناسبة حتى ينفعل ويهينها.. فتقبل عليه بسعادة بالغة وتحيل حياته إلى جنة.. فإن هدأ من ناحيتها بعد أيام وعاد لطبيعته المتزنة وعاملها باحترام كزوجة وأم لأولاده.. عادت تتفنن في اغضابه لتهنأ بتلقيها لاهانة جديدة ..... وهكذا
لاحظت ( وهذه ملاحظة انطباعية ) أنهن كثيرات .. وتجدهن أكثر في الجيل الجديد من فتيات أنيقات متعلمات ..
المرأة التي تحب الإهانة عادة ما تفسر الأمر بأنها تحتمل الرجل الذي يهينها لأنها تحبه.. أو تتحجج بأن قلبه طيب لكنه عصبي ( شوية ).. لكن تبدو الحقيقة غير هذا وأن المعادلة ليست ( أحبه رغم إهانته لي ) بل هي أن شئنا الدقة ( أحبه لأنه يهينني ).
ومع الشيب الكاسح لرأسي أكثر وأكثر أمسكت بشعور جديد بحثت خلفه وراجعت ذكرياتي فتطابق مع النماذج التي رأيتها.. وهو أن هذه المرأة لا تحب أصلاً .. بل تشعر بالأمان في وجود الرجل الأقوى ولا تفهم من دليل لقوته إلا قدرته على إهانتها.. وعادة ما تكون قد اعتادت على شكل تعامل خاص في طفولتها من ( رجل ) أب أو أخ أكبر به قدر كبير من الإهمال أو الإهانة أو التمييز ضدها أو التقليل من شأنها، وكان ذات الشخص هو مصدر الحماية ومظلة الاستقرار لها وللأسرة لفترة طويلة.
فبات هناك ارتباط شرطي وثيق بين تلقي الإهانة والشعور بالأمان ..
عزيزي الأب: عايز بنتك ما تكونش ست بتحب تتهان... حسسها أن الأمان والاطمئنان مرتبطين بالاحترام والكرامة ... أوعى تسيبها وقت طويل حاسة بالذنب.. ولما تعلمها أو تربيها أوعى يكون باذلال أو بالبلدي قوي اوعى تكسر نفسها.. هاتضمن أنها لما تكبر مش هاتحب، ولا تتحب من راجل سافل بيدور على واحدة يطلع فيها مركبات النقص اللي عنده.