قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حديقة الإنسان


كتب دزموند موريس Desmond Morris كتابه "حديقة الإنسان The Human Zoo"، في العام 1969. وهو كتاب جميل يتناول طبيعة المُجتمعات المُتحضرة، وبالذات في المُدن. ويُقارن موريس بين البشر من سُكان المُدن بالحيوانات من سُكان حديقة الحيوان، حيث يحصلون على ضرورات حياتهم بسهولة، ولكن في ظل الحياة في بيئة غير طبيعية بالنسبة لهم. فكل من البشر في مُدنهم والحيوانات في حديقة الحيوان، يتوفر لهم المأكل والحماية، وكم من وقت الفراغ المُتاح لهم، لأنهم ليس من واجبهم أن يحموا أنفسهم أو أن يصطادوا ليحصلوا على الطعام.
إلا أنهم يعيشون في بيئة غير طبيعية، وعلى الأرجح – وفقاً لدزموند موريس – سيكون لديهم مُشكلة في تكوين علاقات اجتماعية صحية، وكلاهما مُعرض للمُعاناة من الوحدة والملل، وكلاهما يحيى في مساحة صغيرة للحركة. ويُناقش الكتاب، ما ابتدعه كُل من سُكان المُدن وحديقة الحيوان، من طُرق للتعامل مع تلك المشاكل، والنتائج المُترتبة، حينما يفشلون في التعامل معها.
فالحيوان وفقاً لموريس، لا يقوم بالعنف العشوائي ولا السلوك الشاذ عن فصيلته، إلا حينما يتعرض للاحتجاز أو الحبس. وبالمثل، فان العنف يزداد في المُدن الكبيرة، لشعور الإنسان بأنه "مُؤطر" في برواز مُعين، ربما يكون القانون أو النظام المفروض عليه.
ويستطيع الإنسان السوي، أن يصل إلى "نقطة المواءمة" مع الأجواء المُحيطة في المدينة، في حال احترامه للقواعد والقوانين المختلفة، والتي تُنظم حياته مع غيره من البشر وتحميه هو شخصياً. وفي غير هذا الحال، يقترب الإنسان من أن يكون مُشابها للحيوان الذي يحيا في قفص في حديقة الحيوان، وهنا ينقلب إلى أن يكون بالفعل، إلى كونه يعيش في "حديقة للإنسان"، بديلاً عنها!!
عندما قرأت عن قريب "حديقة الإنسان" لدزموند موريس، شعرت أنه يتكلم عن "الفوضويين" في مصر، ممن يريدون إسقاط قانون التظاهر. فسلوكهم غاية في الغرابة عن بقية المجتمع المصري. إنهم لا يشعرون إلا بأنفسهم وحاجاتهم فقط، دونما الشعور بالمجتمع ككل، وكأنهم وضعوا أنفسهم "بأفكارهم" في قفص أو "حديقة للإنسان"، وأصبحوا عبيداً لتلك الأفكار، بغض النظر عن كونها شاذة عن فكر أغلب المجتمع وتقاليده.
وكان بالإمكان أن أرى لديهم منطقاً، لو أنهم يحترمون القانون، ولكنهم معترضون على القانون في كثرٍ منه. فأنا مثلاً، أؤيد الأحكام الصادرة عن القضاء بالإفراج عن المدعوة ماهينور أو بإخراج علاء عبد الفتاح بكفالة على ذمة القضية التي يحققون معه فيها، رغم أني ضد كُل منهما، ولكني أحترم القانون في النهاية، الذي لا يُحيطه هوى، وكل المواطنين أمامه سواء. فلا يجوز أن أعترض على حُكم لأنه ضد رغبتي وأقبل حكم لأنه على هواي، لأنه بذلك لا يصبح قانوناً من الأصل، وإنما فوضى وفساد قلة!!
فطالما ارتضيت أن أكون مواطناً، أرتضي بالسلطة العُليا التي تحكم البلاد والقانون الصادر عن الجهات المختصة، ولا يجوز أن أعترض على حُكم من القضاء أو أن أؤيد من يعترضون عليه، لأني بذلك أخرج عن "العقد الاجتماعي" الذي أُلزمت به، كمواطن في البلاد أحمل جنسيتها وأنتمي لها بالولاء، إلا إن كان ولائي لأمر أو دولة أُخرى، وفي تلك الحال أصبح خارجاً عن الإجماع الوطني ومعتديا على القانون.
وإن كنت أُريد أن يكون لي قانوني الخاص فلأذهب إلى الأدغال أو إلى أي غابة، لأكون لنفسي مُجتمعي الخاص بي، وأفعل ما أُريده. ولكن في ظل الدولة، أخضع لقانونها. فالإنسان في المدينة والدولة، لا يحيا وحيداً ولا يمُكن لقلة أن تُملي على الأغلبية القصوى، كيف تعيش!!
فهؤلاء من الفوضويين المنتمين لأحداث 25 يناير، يقتربون بطريقة تعاطيهم مع الأمور، إلى منطق العصابة الإرهابية، في الدولة حيث يخيفون الناس ويعتدون عليهم وعلى سلامهم وأمنهم، ويرون أنهم فوق مستوى المواطنين في الوطن، وأنه يحق لهم أن يُعاملوا مُعاملة مختلفة عن كل المصريين في البلاد وأنه لا يحق لأحد أن يتعرض لهم حينما يعتدون على القانون، وكأنهم فوقه أو يريدون تحقيق فساد فئوي لمصلحتهم الخاصة، دونما عقاب!!
إنهم لا يمتلكون فقط عقولاً مستوردة في تلك الحالة، ولكنهم هكذا مرضى أيضاً، وينتمون إلى تلك الحرية التي تتشابه مع حرية القرد في الغابة (ولا أقصد سبهم، ولكن تشبيه طريقة حياتهم مع طريقة حياته، لأنه مهما كان، لا يجوز الإعتداء على القانون، بل احترامه، ولا يجب أن نتشابه مع من نرفض سلوكه، وإلا عبرنا عن شيزوفرنيا).
فهم يريدون حياة بوهيمية، في الأدغال، وليس حياة تنظمها القوانين. إنهم يضغطون على المواطنين والدولة، لإسقاط قانون، لن يسقط مهما حاولوا، لأن الدولة لن يلوى ذراعها والمواطن لم يعد في ملهاته بعيداً عما يجري في الوطن. فالقانون الذي ينظم التظاهر في الدولة ولا يمنعه، ليس قمعيا، إلا لمن يريد الفعل دون مواد منظمة له أو بمواد تنظمه وفقاً لهواه!!
ثم إن السؤال الأهم في هذا الأمر: لماذا يصرون على التظاهر من الأصل ولماذا يريدون التظاهر دون الحصول على إذن من السلطات المُختصة؟!
هل يرون أن الدولة في وضع طبيعي، أم أنهم يريدون مد يد العون للإخوان (شُركائهم في الاعتداء على مصر في 25 يناير، بتحريك من مانحي جوائزهم الوهمية، في الخارج)، أم أن التظاهر، هو عمل يحصلون منه على راتبهم وسُبل معيشتهم، ممن يدفع لهم مقابل بذر الفوضى في المجتمع، بناء على هذا التظاهر العشوائي؟!
إذاً هم يمثلون مصالح دول أُخرى، وينفذون ما يُطلب منهم من تلك الدول، خاصةً أن علاء عبد الفتاح كان يظن أنه خرج بناءً على ضغوط خارجية، وكأنه كان يُشيد بالدولة الرأسمالية التي ظن أنها ضغطت من أجل خروجه ويستقوي بها، وهو من المفترض يساري المذهب السياسي. ولكن مع قراءة حيثيات قرار خروجه، نجد أن خروجه كان قانونياً بحتاً، دونما خضوع الدولة المصرية لأي طلب، وليس ضغوطا عليها، لأنه لا يوجد دولة في العالم يُمكنها الضغط على مصر من الأصل، وبالذات بعد 3 يوليو 2013!!
إن هؤلاء "اللامنتمين"، لا يستطيعون الحياة إلا في مناخ فوضوي، وعلى الدولة أن تضعهم إما في مصحة صحراوية، وتتركهم يحيون كما يريدون أو تضعهم في مصحة تأهيل مدني، إن صح التعبير، كي يؤهلوا للحياة مع المواطنين العاديين، أو أن تُهجرهم (في حال أنهم غير متهمين في قضايا اعتداء على البلاد)، ليحيوا في الدول التي "تؤجرهم"، كي يقوموا بما يريدون القيام به هناك، وليقصوا علينا كيف تمت معاملتهم، وفقاً لرؤيتهم، حينما يعودون لو أنهم عادوا أصلاً!!
إن هؤلاء يرون المدينة أو الدولة على أنها "حديقة للإنسان"، لأنهم ينتمون لفكر الغابة والفوضى، ولا يستطيعون الحياة كما البشر العاديين وفقاً للإلتزام بقوانين وتقاليد متوافقة مع الإنسان العادي. وغير العادي، لا يمكن أن تكون حلول مشاكله، عادية!!
يجب تطبيق القانون عليهم أو تركهم في غابة أو صحراء، يحيون كما يريدون بعيداً عن المواطنين، لأنه لا يوجد قانون سيتم تعديله، حتى لو مات كل من يُضرب عن الطعام ضغطاً لتعديل هذا القانون، وأظن أن الأغلبية القصوى في مصر، ستفرح للغاية إن مات كل من يضرب إرادياً وعن رغبة منه، عن الطعام، فهو حر في قتل نفسه وليس في الاعتداء على مصر!!
تسقط نكسة 25 يناير.. وتحيا مصر حرة أبية.