قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مونيكا وليم تكتب: زيارات خاطفة… رسائل عميقة: أمام تغوّل إسرائيل في المنطقة

مونيكا وليم
مونيكا وليم

لم تكن زيارات اليوم الواحد التي شهدتها الساحة العربية مؤخرًا مجرد بروتوكولات عابرة، بل رسائل سياسية محسوبة بدقة في لحظة إقليمية بالغة الحساسية. ففي الخميس 21 أغسطس 2025، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة سريعة إلى السعودية، تلتها زيارة الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، إلى مدينة العلمين في مصر، وكلتاهما لم تتجاوز حدود اليومين. هذه الزيارات الخاطفة، على قصرها، تحمل دلالات أعمق بكثير من المدة الزمنية التي استغرقتها.

في هذا السياق، وعند استذكار ملابسات حرب أكتوبر 1973، وحين بدا أن العرب يواجهون خطرًا وجوديًا، اتخذت الدول العربية قرارًا تاريخيًا بوقف تصدير النفط للولايات المتحدة وحلفائها، برزت ورقة الطاقة كسلاح عربي فعال في مواجهة الاختلالات الإقليمية. واليوم، ومع تصاعد المخاوف من تمدد إسرائيل على حساب وحدة المنطقة، فإن التلاقي المصري-الخليجي السريع خلال تلك الزيارات الخاطفة التي تحمل إشارة إلى إمكانية إعادة تفعيل أوراق القوة العربية سواء كانت اقتصادية أو استراتيجية لموازنة هذا التغلغل وتكشف إدراكًا بأن اللحظة الراهنة قد تستلزم صياغة موقف مشابه، أو على الأقل بلورة إستراتيجية عربية مشتركة تعيد الاعتبار لفكرة التضامن العربي، بعيدًا عن الحسابات الضيقة.

وعند محاولة استقراء الرسائل المتبادلة فإن التوقيت والسرعة يشيران إلى أن الهدف ليس عقد مباحثات طويلة أو مؤتمرات رسمية، بل إرسال إشارات واضحة تتمحور أولًا في أن التنسيق العربي هو تنسيق استراتيجي سريع، وأن الرسائل المراد إيصالها تصل مباشرة ودون تأخير خاصة تلك التي تتعلق بأن أمن الخليج والبحر الأحمر هو نقطة الارتكاز في أي معادلة إقليمية، وأن مصر والمملكة السعودية والأمارات يعملون على حماية الداخل العربي من ارتدادات الزلازل الجيوسياسية الدولية.

ثانيًا: هناك إدراك أن التحديات الأمنية والسياسية لا تحتمل التنسيقات البروتوكولية، وأن التنسيق المباشر والسريع هو الخيار الأمثل لمواجهة أي تطورات مفاجئة، ثالثًا وفي نظري هو العنصر الأهم أن هذه الزيارات بمثابة “استعراض وحدة الجبهة العربية” أمام القوى الإقليمية والدولية، خاصة إسرائيل التي تصعّد من تدخلاتها في الساحات العربية.

وبالتالي أن إعادة توحيد البيت الخليجي–المصري سريعًا، رغم تباينات المدارس، يهدف بالأساس لحرمان إسرائيل من الاستثمار في ثغرات الانقسام العربي.

وهو الأمر الذي ينقلنا إلى أن هذه الزيارات جاءت تزامنا مع عدة تحركات توسعية إسرائيلية ، سواء عقب إعلانها أحكام السيطرة الكاملة علي قطاع غزة او عبر الغارات المتكررة على سوريا، أو عبر محاولات إعادة إحياء النزعات الانفصالية ودعمها كالرهان على المكوّن الدرزي إلي جانب تحركها وفق رؤية تتجاوز حدود النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي التقليدي، نحو إعادة تشكيل الإقليم بما يخدم تصورها لـ”إسرائيل الكبرى”، بالنظر إلي أن تغذية الصراع المذهبي بين السنة والشيعة يدخل في صميم هذه الاستراتيجية، إذ يفتح المجال أمام إضعاف البنية الداخلية للدول العربية، وتفتيتها من الداخل.

وعليه يمكن تلخيص الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي بثلاث طبقات متراكبة، أولا، ردع مُستدام عبر المعركة بين الحروبMABAM تقوم على ضربات جوية واستخباراتية متواصلة لتفكيك بنى خصوم إسرائيل قبل تحوّلها لتهديدٍ نظامي خصوصًا شبكات إيران/حزب الله والقدرات الدقيقة والسلاسل اللوجستية جنوب سوريا وغربها. هذه العقيدة موثّقة في دراسات إسرائيلية وأكاديمية باعتبارها أمنًا روتينيًا نشط لإجهاض التهديد قبل تبلوره.  

ثانيا، هندسة مناطق جغرافية–اجتماعية حول الجولان وجنوب سوريا وذلك من خلال فرض هوامش ردع وممرات عازلة بحكم الأمر الواقع، مع ضغطٍ عسكريٍ انتقائي وتواصلٍ مع مكوّنات وفصائل وطنية كالدروز بما يخدم إبعاد التهديد عن الحدود وتفكيك البُنى المعادية، وعليه هناك تقارير غربية حديثة تحدثت عن غاراتٍ برّية نادرة جنوب دمشق في هذا السياق، في تصعيدٍ يتجاوز الإيقاع الجوي المألوف.  

ثالثاً، تغذية ديناميات التشرذم الإقليمي ليس بوصفه “خطةً رسمية معلنة”، بل كمنطقٍ أمني تاريخي يَعتبر أن تعدد الانقسامات داخل البيئة العربية–الإيرانية يقلّل كلفة التهديد على إسرائيل وهو ما يُعرف في الأدبيات بـتحالفات الأطراف/الأقليات منذ عقود لاسيما أن هذا المنطق تتناوله أبحاثٌ عديدة، مع تصاعد الجدلية حول مدى انعكاسه على السياسات العملية مؤخرا.  

وعليه، تطرح المقالة تساؤل رصين من قبيل كيف تضيق هذه الزيارات هامش الحركة الإسرائيلي؟

فهي مقاربة لخنق محاولات التفتيت: فالتقارب مع قطر يَسحب من إسرائيل ومن لاعبين آخرين، ورقة توظيف انقسام المحاور العربية، ويُحيل ملف غزة وسيناريوهات اليوم التالي إلى طاولةٍ عربية أكثر تماسُكًا، بدل طاولاتٍ متوازية قابلة للاختراق ، إلي جانب حشد موارد الردع غير العسكرية إذ أن محور الرياض–أبوظبي–القاهرة يملك أدوات سوق النفط وطاقات الاستثمار والممرات البحرية قناة السويس و البحر الأحمر وبالتالي فالتوظيف السياسي لهذه الأدوات يُحمل أي تمدّد إسرائيلي–إقليمي كلفةً أعلى من مردوده، تعويم الشرعية العربية لإدارة غزة وما بعدها، حيث انه كلما بدت المنطقة محاطةً بغطاءٍ عربي خليجيٍ استثماري وسياسي، تراجعت قدرة الأطراف الخارجية ومنها إسرائيل على فرض صيغٍ أحادية لليوم التالي في غزة أو لإعادة رسم الحدود الاقتصادية–الأمنية في الإقليم.

ختاماً، إن ما يجري اليوم ليس مجرد تنقلات دبلوماسية روتينية، بل إعادة اصطفاف سياسي في مواجهة خطر مشترك. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، تبدو الزيارات السريعة بمثابة جرس إنذار ورسالة استعداد في آن واحد، مفادها أن العرب قادرون على التحرك سريعًا متى شعروا بأن المنطقة على وشك الانزلاق إلى سيناريوهات أشد خطورة. وإذا كانت إسرائيل تراهن على تفتيت المنطقة من الداخل، فإن اللحظة تفرض بناء منظومة ردع جديدة قوامها الوحدة والأمن والتنمية.