أكد الشيخ أحمد سيف، الداعية الإسلامي، أن اشتداد الأذى على سادتنا الصحابة في مكة دفع النبي ﷺ، بعد أن رأى ما كانوا يلاقونه من تعذيب واضطهاد، إلى الإشارة عليهم والإذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، موضحًا أن النبي ﷺ قال لهم إن بها ملكًا لا يُظلم أحد عنده، وكان يقصد بذلك أصحمة النجاشي، مشيرًا إلى أن النجاشي لقب وليس اسمًا، وأن ملك الحبشة كان يُلقب بهذا اللقب، وأن أصحمة كان رجلًا صالحًا وعادلًا.
وأضاف «سيف» خلال لقاء تلفزيوني، أن أول هجرة إلى الحبشة كانت تضم نحو سبعة عشر من الصحابة، وأقاموا هناك فترة، ثم بلغهم خبر كاذب بأن قريشًا أسلمت في مكة، في رواية مفادها أن النبي ﷺ قرأ سورة النجم فسجد، فسجد الناس معه، فظن المسلمون في الحبشة أن مكة قد دخلت في الإسلام، فعاد بعضهم، لكنهم اكتشفوا كذب الخبر، فعادوا مرة أخرى إلى الحبشة ومعهم عدد أكبر من المهاجرين، حتى بلغ عددهم في الهجرة الثانية نحو ثمانين رجلًا وامرأة، ولذلك تذكر كتب السيرة هجرتي الحبشة الأولى والثانية.
وأوضح الشيخ أحمد سيف أن تجمع هذا العدد من المسلمين في الحبشة أثار خوف قريش من انتشار الدعوة خارج مكة، ومن تأثير نور الحق وجماله في نفوس أهل الباطل، فاجتمع رأيهم على إرسال عمرو بن العاص، وكان آنذاك لم يُسلم، وعبد الله بن أبي ربيعة، محمّلين بالهدايا للنجاشي والقساوسة ووزراء الدولة، في محاولة لاستمالتهم لإعادة المسلمين أو تسليمهم لقريش.
وبيّن أن أصحمة النجاشي، لما كان رجلًا عادلًا وصالحًا، رفض أن يسلّم المسلمين دون أن يسمع منهم، فاستدعاهم وسألهم عن هذا الدين الذي تركوا من أجله دين آبائهم، فقام سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو شبيه النبي ﷺ خَلقًا وخُلقًا، وصاحب مناقب عظيمة شهد بها النبي ﷺ، فشرح للنجاشي حالهم قبل الإسلام، وكيف كانوا أهل جاهلية يعبدون الأصنام، ويقطعون الأرحام، ويأتون الفواحش، ويأكل القوي منهم الضعيف.
وأضاف أن سيدنا جعفر رضي الله عنه أوضح للنجاشي أن الله بعث إليهم رسولًا منهم، يعرفون صدقه وأمانته وعفافه، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته، وأمرهم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، ونهاهم عن كل مظاهر القبح والباطل، واستبدل ذلك بالقيم والأخلاق والجمال، وأعادهم إلى دين التوحيد الذي كان عليه العرب من زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
ولفت إلى أن النجاشي طلب من جعفر رضي الله عنه أن يقرأ عليه شيئًا مما جاء به النبي ﷺ، فقرأ صدر سورة مريم، فبكى النجاشي لما سمع قصة السيدة مريم عليها السلام، وقال إن هذا الكلام والذي جاء به عيسى عليه السلام لا يخرج من مشكاة واحدة، معلنًا أنه يشم في هذا الكلام رائحة النبوة والوحي، ثم رفض تسليم المسلمين لقريش.
وتابع الشيخ أحمد سيف أن عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة حاولوا إثارة مسألة عقيدة المسلمين في سيدنا عيسى عليه السلام، فسألهم النجاشي عنها، فقال سيدنا جعفر رضي الله عنه إنهم يقولون فيه إنه عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فوافقهم النجاشي وقال إن هذه هي حقيقة عيسى عليه السلام، فعاد رسولا قريش خائبين دون أن يحققوا مرادهم.
وأشار إلى أن أصحمة النجاشي أسلم بعد ذلك، ولما توفي صلى عليه النبي ﷺ صلاة الغائب، رضي الله عنه وأرضاه، في موقف خالد يجسّد العدل ونصرة الحق وحماية المظلومين.

