ماذا بعد مليونية الإخوان

نجاح مليونية الإخوان والسلفيين لا يعني أنهم عادوا للثورة أو إنهم قادرون على حسم الصراع ضد العسكر أو الفلول. فالحقائق على الأرض مختلفة والحسابات معقدة، فالإخوان والسلفيون يتحركون بمعزل عن بقية القوى الثورية والأحزاب المدنية، وأهداف وشعارات المليونية تعكس ضيق افق وانتهازية سياسية لأنها لا تسعى لاستكمال الثورة أو عزل الفلول أو إلغاء المادة 28 من الإعلان الدستوري، وإنما ترمي فقط إلى طلب الرئاسة، والتخلص من سليمان.
ولهذه الأسباب وغيرها لم يلب شباب الثورة والأحزاب المدنية دعوة الإخوان للمشاركة، لأن الإخوان عليهم أولاً أن يبحثوا في أسباب انهيار العمل الجبهوي الذي نجح في ثورة 25 يناير، وأن يعترفوا بمسئوليتهم الأولى عن هدم هذه الجبهة عندما تحالفوا هم والسلفيون مع العسكر في الاستفتاء علي الدستور، ثم عندما لم يشاركوا في مليونيات الثورة خلال العام الماضي تحت دعوى الحفاظ على الاستقرار، بل وأدانوا شباب الثورة في أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء.
وعلي الإخوان ثانيًا أن يعترفوا بفشلهم السياسي في إدارة العلاقة مع شباب الثورة والأحزاب المدنية في انتخابات البرلمان، وفي داخل البرلمان عندما احتكروا لجان البرلمان، ثم احتكروا تأسيسية الدستور وأثاروا مخاوف وشكوك أحزاب الأقلية والأزهر والكنيسة. وعلى الإخوان أن يعترفوا ثالثًا بأنهم خسروا الكثير من مصداقيتهم عندما دفعوا بالشاطر للرئاسة، حيث تنصلوا لعهود أطلقوها، وقدموا مرشحًا يزواج بين المال والسياسة.
وعلى الإخوان رابعًا أن يعترفوا بأنهم لن ينجحوا بمفردهم أو حتى بعد تحالفهم مع السلفيين في حسم معركة الرئيس والدستور، والأهم في قيادة مصر وتحقيق الاستقرار وإنقاذ مصر من العسكر والفلول. عليهم أن يعترفوا بأن مشاكل مصر أكبر من أي فصيل سياسي وانها تتطلب تعاون كل القوى والتيارات التي تنتمي للثورة، بما فيها الليبراليون والناصريون واليساريون والحركات الشبابية.
الاعتراف بالحقائق السابقة قولاً وفعلاً يتطلب من الإخوان والسلفيين ممارسة النقد الذاتي والتواضع، وكبح غرور القوة وطلب السلطة، وقبول الآخر والاعتراف به، هل ينجح الإخوان في ذلك؟ لاشك أن نجاح الإخوان والسلفيين في هذه المهام الصعبة سيقود إلى فتح حوار مع كل شركاء الثورة، حوار قائم على مشاركة الجميع، والابتعاد عن أوهام الأغلبية الفائزة أو الناجية. وأعتقد أن هذا الحوار لابد أن يضع في مقدمة أهدافه:
1- إعادة بناء جبهة كل القوى الثورية على أرضية جديدة ووفق وثيقة معلنة تحدد مهام المرحلة ومجالات العمل المشترك.
2- التوافق على تأسيسية الدستور وكتابة دستور مدني حديث يؤكد دولة المواطنة والقانون.
3- عدم ترشح رئيس ينتمي للإخوان أو السلفيين، حتى نضمن التوازن السياسي في النظام السياسي، فأغلبية البرلمان للإسلاميين، والرئيس يجب أن ينتمي لتيار آخر، رئيس مسلم معتدل ووسطي مثل أغلبية المصريين، لكنه ليس عضوًا من الإخوان والسلفيين.
4-تشكيل حكومة انقاذ وطني في المستقبل .
أعتقد أن هذه النقاط ضرورية لإنجاح وحدة القوى الثورية والأهم إنقاذ مصر من مخاطر الانقسام أو عودة الفلول. لكن الإشكالية أن كل هذه النقاط تتطلب من الإخوان والسلفيين التفكير بطريقة جديدة، وتقديم تنازلات صعبة تتعارض مع ما تعلموه وتدربوا عليه لكن من يدري!!.
وإذا فشل الحوار في تحقيق الأهداف السابقة فلا مفر أمام القوى المدنية وشباب الثورة من التوافق على مرشح مدني واحد يقود فريق رئاسي يمثل الشعب بكل طوائفه، ويخوض معركة الرئاسة، ضد مرشح الإسلاميين وضد سليمان مرشح الفلول، لأنه من غير الأخلاقي أن نترك الناخب المصري أمام خيارين، كلاهما مر إما الفلول أو الإخوان، بينما لا يوجد بديل أو خيار ثالث قوي يمثل القوى المدنية، صحيح أنه هناك أكثر من مرشح مدني للرئاسة لكن تنافس وصراع هؤلاء المرشحين سيقضي عليهم جميعًا، وسيجعل الناخب أمام خيارين فقط، الاستبداد الأمني مقابل الاستبداد باسم الدين. أتمني ألا نشارك في هذه الجريمة وأن تعي القوى المدنية بخطورة الموقف وأنه لا بديل للديمقراطية ولدولة القانون من العمل المشترك بين كل القوى المدنية ضد الفلول وضد الإخوان. وأعتقد أن هذه المهمة ممكنة رغم صعوبتها لأنها مهمة حياة أو موت لوجود وتراث الدولة المصرية الحديثة.