رفع الحذاء في عربة النساء

في طريقي المعتاد بالمترو حيث مسافتي اليومية لا تتعدى 6 محطات ذهابا وايابا .وهي ليست بالمسافة الكبيرة، أستقل فيها المترو لمدة لا تتجاوز العشرين دقيقة بأي حال من الاحوال.
لكن ربما في تلك العشرين دقيقة أري المجتمع يتجسد أمامي ما بين كذب المتسولين الي تبجح الباعة الجائلين الي الاعيب البهلوانية التي يمارسها ركاب المترو يوميا.
فبينما العربة تمتلئ بالبشر تجد من يصر علي ان يركبها حتي لو ترك نصفه خارجها، ومن يمارس العاب القوي علي ابواب المترو فيحاول فتحها بعد ان تغلق ومن يقف مغلقا للطريق امام باب الصعود متناسيا الدنيا وكأنه يقف تحت الدش في حمام منزله..
وسائقو المترو ايضا يمارسون الاعيب شتي ما بين اغلاق مفاجئ للبوابات الي حركات فجائية بالفرامل تذكرني بأيام طفولتي والملاهي .لكن تلك المرة الملاهي تتحول الي مفرمة للحوم البشر في هذا الجو الخانق .
كل هذا كوم وعربة النساء في المترو كوم تاني .عربة النساء في المترو عربة مليئة بالاحداث ، بائعة للملابس الحريمي و بائعة للماكياج وآخر يبيع ادوات للطهي وكأن ادارة المترو افتتحت سوقا داخليا لتوفير جميع احتياجات السيدات.
هنا تبدأ حكاية الحذاء .ركبت المترو في يوم في العاشرة والنصف مساء واخترت عربة النساء لانها الاكثر راحة في وقت متأخر نسبيا والجدير بالذكر ان هناك عربتين للنساء، الاولي تكون مختلطة بعد العاشرة مساء، والثانية تمتد حتي انتهاء المترو من العمل وبما اني اصبحت خبيرة في هذا فانا اعرف تماما اني اخترت العربة مستمرة العمل للنساء حتي انتهاء المترو .
وفوجئت بأن العربة تمتلئ بالرجال والغريب ان الرجال جالسون علي الكراسي بينما النساء يقفن وإحداهن او اثنتان تحملان اطفالا رضع.ولأني قد خضت معارك عدة من قبل بغية اخلاء عربة السيدات من الرجال، وباءت بالفشل فقد قررت الا اتدخل هذه المرة في المعركة، وفي المحطة التالية ركبت فتيات رشيقات جميلات يبدو عليهن الجرأة والتفتح وكان اول ما فعلنه ان طلبن من الرجال في المترو النزول في المحطة القادمة، لانها عربة النساء. وماكان من بعض الشباب الا ان تهكموا عليهن وتلفظن بعبارت مثل " خليكي في حالك يا اختي انتي وهي " و " وانتي مالك هي كانت عربية امك" وفي خطوة جريئة صمدت احداهن وقالت نعم انها عربتي وعربة " أمي" اذا كنت انت مثلي ومثل امي من " النساء " فلتبق اما اذا كنت عكس ذلك فلتتفضل تنزل.
وما كان من الشباب الا ان ارتفع صوتهم بالسباب ورأيتني بحسي المتحمس احاول حماية الفتاة الجريئة واقول له لن تستطيع ان تفعل شيئا معها فكلنا موافقات علي ما تقول واذا برجل بالغ قد يتعدي عمره ال45 ينظر نظرات غريبة الينا ويجلس ويضع رجلا علي رجل ولان الشباب وجدوا اننا لن نسكت فقد تراجعوا وقرروا النزول في المحطة المقبلة، وبالفعل نزلوا وبعدها خرج الرجل ذو الشارب العجيب عن صمته قائلا " اما بنات شوارع صحيح " فقلت له لو سمحت ممكن تنزل المحطة الجاية زيهم.فبادرني قائلا اسكتي انتي وهي بدل ما اديكم بالجزمة وهم برفع حذائه من قدمه الي اعلي، فوجدت نفسي وصديقة الكفاح في عربة المترو التي لا اعرفها "انت بترفع الجزمة ازاي وعلي مين وده حقنا وانت لازم تنزل فورا " فبادرنا بالسباب بالاهل وجميع الاقارب المعروفين لدي الانسان.حتي تجمع النساء عليه وصممن انه غير مهذب بالمرة وانه يجب ان ينزل.
الغريب في الامر ان هناك سيدة من بين النساء كانت تصطحب ربما زوجها او احد اقربائها وبعد ثورة النساء في المترو اضطر هو الاخر الي النزول فقد تضايقت جدا وسبتنا قائلة "بنات ما اتربتش ومش بتحترم رجال كبار اد ابوهم " فقلت لها " بل الرجال الكبار من المفترض ان يفهموا القانون والاصول ولا يتخطوها ومن يتخطاها كبيرا او صغيرا وجب علينا تنبيهه واذا رد بهذا الاسلوب كان يجب ان نسلمه الي قسم البوليس وعفوا منا اننا تركناه يذهب .
لماذا ترتضي النساء احيانا بانصاف الحلول ولماذا ترضي بان تسلب حقا منحها اياه القانون، واحيانا قد يكون حقا منحها اياه الله كي تريح عقلها من التفكير ؟! النساء في مصر يحتجن ان يحببن انفسهن، وان يثقن اكثر في انفسهن وان يعترفن بانهن اذا ارادن طرد رافع الحذاء في عربة النساء لطردوه من المترو كليا .
القضية ليست خلافا بين رجل وامرأة ولا بين امرأة تريد حقها كاملا واخري علي استعداد للتنازل عن بعضه .القضية هي قضية ايمان بالنفس ومسئولية تتحملها المرأة امام البشرية في ان تحترم وجودها وتعرف انها لا تقل شأنا عن الرجل.