الأفارقة بين الوعد واليأس

لقد طال أمد الحلم الأفريقي لتحقيق الاستقلال والوصول للرفاهية ، تلك الرفاهية التي لم تتحقق حتي الآن علي واقع أسباب عديدة أري أن أهمها رعونة القيادة في القارة السمراء التي طالما تغنت بتحقيق هذا الحلم عشية تحقيق الاستقلال والأسوأ أن تلك القيادة مارست وبشكل لا إنساني استعمار أوطانهم ومواطنيهم وانتهي الحال إلي فشل وفقر ممتد وكأننا في الحقبة الاستعمارية ولم نبرحها بعد.
ولدواعي الموضوعية فإن التركيز علي القيادة يأتي علي واقع الحزن الكبير للتنكيل بأحلام البسطاء من أهل القارة ويأتي بعد القيادة الطرق الممنهجة التي مارسها المستعمر منذ حضوره إلي القارة وتدمير كل شيء فيها تحت دعاوي باطلة منها الوصول للمدنية والقضاء علي الهمجية السمراء وخلق التنظيم السياسي الذي يؤدي إلي المزيد من التحضر والأمر برمته يكرس للإستغلال ونهب الثروات السوداء لصالح تعمير العالم الجديد وتوفير المواد الخام للمصانع الأوروبية .
صحيح أن الاستعمار رحل لكنه ترك نظامه وهياكله والنخب التي حافظت علي ذلك خانت الوعد إلا القليل منهم الذين كان الوفاء عنوانا لادارتهم وعلي سبيل المثال لا الحصر نذكر منهم سيكوتوري في غينيا ونيريري في تنزانيا ولومومبا في الكونغو ونكروما في غانا ، وكانت خيبة الأمل ليست فقط في عدم تحقيق الحلم ولكن الأسوأ هو استمرار الإرث الاستعماري حتي تاريخه ويمكن القول أن الاستقلال الحقيقي لم يتحقق لبلادنا الأفريقية حتي الآن.
وعندما نتحدث عن أحلام البسطاء من الشعوب الأفريقية لابد وأن نتكلم عن مشروعية هذا الحلم الذي ذهب بعيدا علي واقع تدمير التراث الثقافي والروحي للأفارقة والشيء الأكثر خطورة هو استعمار العقول والأفكار ودائما ما يحدث الأفريقي نفسه بأنه أقل شأنا من غيره علي واقع تصديق وترديد ما قاله المستعمر عن همجية القارة والأمر علي العكس من ذلك فأفريقيا قارة الإبداعات والحضارات السابقة علي الحضارات الأوروبية ذاتها والدليل إمبراطورية مالي ومنارة تمبكتو مركز الإشعاع التعليمي الذي كان من أقدم المراكز في العالم.
وهناك أدلة أخري خلاصتها أن الحضارات والثقافات الأفريقية أمر لاشك فيه دمرها المستعمر وتاجر الرقيق بقوة السلاح تارة وبأساليب أخري أدت إلي انبهار السكان الأصليين وخضوعه لسحر الرجل الأبيض علي غير فهم حتي التعاليم المسيحية كانت أداة لإخضاع الأفارقة ، وكذلك الملابس والوسائل المدنية الأخري التي قسمت وشردت العقول الأفريقية وانتهي الأمر إلي تدمير الروح الأفريقية واللغات المحلية ، وأصبحت القارة علي انتمائها القبلي ورفض الدول والإندماج فيها وهذا يؤدي في النهاية إلي المزيد من الصراعات والانقلابات وضياع الوعد فهل هناك منقذ رشيد يستطيع تخليص القارة من العبودية التي سيطرت علي الأفكار والفساد الذي مازال مستمرا في النخب والقضاء علي الأفكار البيضاء والتبعية التي تدخلت الآن في كل شيء؟؟
وحتي لا يفهم من ذلك أنه دعوة للعزلة فإنني أدعو إلي تكامل أفريقي وإعادة بناء العلاقات علي أساس تحقيق أحلام الشعوب الأفريقية التي مازالت تنتظر والأمل بعيد.