من جمع القمامة للتسول والخدمة فى البيوت" ...مهن اضطرت لها الزوجات بسبب بطء إجراءات التقاضى فى دعاوى النفقات

"....."زينب":"اشتغلت زبالة علشان أربى ولادى"
"سهير":"متلوموش الست لو باعت نفسها علشان تأكل عيالها"
دراسة: ٣ آلاف طفل حرموا من حقوقهم فى النفقة بسبب قصور فى التحريات و40% تسربوا من التعليملم يجدن أمامهن سبيلا آخر بعد أن تركهن أزواجهن بلا مال ولاسند ولا نفقة تعينهم على سوى طرق أبواب محاكم الأسرة لعلها تنصفهن، لكنهن اصطدمن ببطء إجراءات التقاضى فى دعاوى النفقات وصعوبة الحصول على تحريات عن دخل الزوج خاصة إذا كان من أصحاب الأعمال الحرة والتلاعب فى مفردات المرتب، وبات أقصى أمانيهن أن يحكم لهن حتى بحد الكفاية حتى يتمكن من البقاء هن وصغارهن على قيد الحياة، ومنهن من اضطرت إلى الخدمة فى بيوت العباد والتسول والتنقل بين المصانع كى تصرف على صغارها لحين الفصل فى قضاياها، هناء وزينب وسهير هى مجرد نماذج لآلاف من السيدات التى تعانى بسبب بطء إجراءات التقاضى فى دعاوى النفقات.
"أريد حلا"
تشير عقارب الساعة إلى السابعة صباحا، تلملم"زينب"الزوجة الأربعينية أغراضها وتدس فى كيس بلاستيكى أدوية "فيروس سى" المبعثرة على منضدة خشبية صغيرة ملاصقة لسريرها الطبى الرابض فى غرفة متواضعة، بأحد المستشفيات الحكومية ، بعد أن حررت الممرضة الشابة جسدها العليل من الاسلاك الموصلة بأطرافه، لتلحق بجلسة دعوى نفقة الصغار التى أقامتها بمحكمة الجيزة لشئون الأسرة ضد زوجها بعد أن تخلى عنها وأولادها بعد مرضها، ومع دقات الساعة التاسعة تستقر الزوجة الأربعينيه على كرسى متهالك واضعة وسادتها الى جوارها، وفجأة تهبط برأسها المثقل بالهموم على الوسادة غير عابئة بنطرات الناس المصوبة نحوها، وتسحب الهواء حتى يعلو صدرها، معلنة حالة الاستنفار القصوى بجميع حواسها، فى انتظار بدء جلستها.
تقول الزوجة الأربعينية فى بداية روايتها لـ"صدى البلد":"تملكنى الخوف بعد وفاة والدى، فقد رحل عائلنا الوحيد، وتركنا أنا وأمى المريضة وشقيقاتى بين جدران غرفة فقيرة فى حى يتفجر الشقاء والبؤس من بين جنباته، ويلون القهر والمرض وجوه القاطنين به، بلا مال يقينا شر العوز وسؤال العالمين، ولا سند يحمينا من الأيادي الطامعة فى أعراض نساء لا رجل لهن ولا قريب، فبت أبحث عن الأمان فى وجوه المتقدمين لخطبتى، وحينما طلب زوجى أن أكون له رفيقة فى دربه قبلت بلا تردد، وللأسف صدقت ما نطق به الوسيط، بأنه يخاف الله وسيصون عشرتى، وسيوفر لى حياة كريمة وبيت آدمى، فماله الذى يجنيه من عمله كمبيض محارة وفير".
تعتدل السيدة الأربعينية فى جلستها وترتب ملابسها الرثة وحجابها الأبيض المزين بورود مطرزة وهى تقول:"لكنى لم أجد سوى بيت متهالك لايختلف كثيرا عن بيت أهلى الذى ظننت أننى تركته بلاعودة، ورجل عاطل ليس كباقى الرجال يسعى فى مناكبها بحثا عن الرزق، يقضى نهاره غارقا فى سبات عميق، ويبات ليله فى شد الأنفاس والتنقل بين أحضان الساقطات، ويبيع أثاث بيته بأبخس ثمن حتى ينفق على مخدراته، حتى تراكمت علينا الديون، وصار الجوع لايغادر منزلنا البائس، واضطررت للخدمة فى بيوت العباد كى أسد جوع أولادى، وعملت فى جمع القمامة من الشوارع لأدفع إيجار البيت ومصروفات الأطفال المدرسية".
تتسارع أنفاس زوجة وهى تحكى عن تفاصيل زواجها البائس الذى دام لأكثر من 15 عاما:" وياليته اكتفى بمافعل بى ، بل بات يستولى على أموالى كى ينفقها على ساقطاته ولحظات انتشائه الزائفة، وعندما كنت أرفض منحه ماجنيته كان ينهال على جسدى بعصاه الغليظة وأحيانا كان يضع سكينا على رقبتى، وفى النهاية يطردنى من البيت، ورغم ذلك كنت أعود إليه صاغرة، فمن سيتحمل أعباء ثلاثة أطفال، حتى ساءت حالتى النفسية، وأصاب المرض جسدى، ولم أعد أقوى على العمل حينها قرر التخلى عنى وطلقنى وألقانى فى الشارع أنا وأولادى وتركنا للجوع والمرض ينهش فى لحمنا، وقرر البحث عن بديلة تنفق عليه، ففى نظره أصبحت امرأة بلا فائدة، بعد أن فرغت حافظة نقودى".
تنهى الزوجة الأربعينية روايتها وهى ترتكن إلى جدار يقاوم السقوط كجسدها:"وبعدما اشتد على المرض وزاد الحمل على لم أجد أمامى سبيلا آخر سوى اللجوء إلى محكمة الأسرة، وأقمت ضده دعوى طالبت فيها بنفقة للصغار، لا أعرف أى أب هذا الذى لايريد أن يصرف على أطفاله وينفق على المحامين كى يحرمه من بضعة جنيهات يمكن أن تبقي أطفاله أحياء، أيحارب صغارا لاذنب لهم، ألهذا الحد هو رجل غليظ القلب، ولا أعلم لماذا يستغرق الفصل فى دعاوى النفقات سنوات، وحتى إن صدر الحكم يصعب تنفيذه، ولماذا لا تقضى المحكمة بنفقة مؤقتة للسيدة، ثم تلومونها لو اخطأت كى تطعم اطفالها، أين العدل يا أهل العدل، كل ما أتمناه أن يتم إيجاد آلية فعالة للتسريع بصرف النفقات".
"لاتلومونى"
على كرسى خشبى رابض على مقربة من احدى قاعات الجلسات بمحكمة الجيزة لشئون الأسرة، جلست "سهير" صاحبة الـ"40" عاما، تحتضن طفلها الذى لايتعدى عمره اصابع اليد الواحدة، وتمرراناملها المرتعشة على وجهه البريء وجسده الضئيل لعلها تستطيع ان توقف بحنانها موجات مد الالم العاتية التى تنتابه من حين لاخر جراء اصابته بضمور فى خلايا المخ نتيجه خطأ طبى اثناء ولادته، تمسح الزوجة الاربعينية اللعاب الذى لاينقطع سيلانه من فم الصغير، وتنتقل بعينيها البائستين بين ملامحه وورقة بيضاء صغيرة، مدون عليها رقم دعوى نفقة صغار، فتعصف بذهنها مشاهد توسلاتها لزوجها " الذى لايعنيه فى الحياة سوى الاكل والنوم – حسب تعبيرها- ليبحث عن عمل ينقذ به الصغير ويسد مصروفات مدرسة ابنتهما البالغة من العمر 9سنوات.تبدأ الزوجة الاربعينية رواية تفاصيل حكايتها لـ"صدى البلد":" ظننت انه سيعوضنى عن سنوات الشقاء والحرمان التى عشتها بعد وفاة والدى، وسيريح جسدى من عناء العمل فى المصانع والمحال التجارية ، ووافقت ان ازف اليه فى شقة ايجار جديد على أمل أن ننتقل للسكن فى شقة تمليك او حتى ايجار قديم بحسب وعوده، ولم تمر اشهر معدودة حتى انكشف وجهه القبيح، رجل كسول لا يفعل شيئا فى الحياة سوى الأكل والنوم، أما السعى وراء الرزق فيتذيل قائمة اهتماماته، تحملت تلك الحياة من اجل الجنين الذى يتشكل فى احشائى، وحاولت ان أصلح من حاله لكن دون جدوى".تنفلت الدموع من عين الزوجة الاربعينية وهى تكمل روايتها:"عشت على تلقى المعونات من أخواتى، ثم فوجئت بصاحب العقار يطالبنا بإخلاء الشقة لأن عقدها قد انتهى، لم يكن قد مر عام على زواجى، لاكتشف ان زوجى كذاب، انتقلنا للسكن عند والدتى التى عاملتنا كالغرباء، لم نتحمل الأوضاع هناك، وبات لزاما علينا البحث ولو عن "عشة" نعيش فيها، ظننت أن هذا الدرس سيجعله يفيق من غيبوبة كسله لكنى كنت مخطئة، وعادت ريمة لعاداتها القديمة، نوم وأكل ومشاهدة للتليفزيون، تحولت حياتنا إلى جحيم بعد إنجاب ابنى حيث تبين اصابته بضمور فى خلايا المخ نتيجة خطأ طبى اثناء ولادته، زادت الاعباء المادية والديون بسبب علاج الصغير، وجلسات العلاج الطبيعى المكثفة الذى لم يحظ بالكثير منها بسبب ضيق الحال ورفض والده البحث عن عمل".تزيح الزوجة الاربعينية قطرات الدموع المتناثرة على وجنتيها بطرف عباءتها السوداء وهى تختتم حكايتها:" عدت امد يدى طالبة يد العون من اخواتى، لم يكن بالأمر الهين على نفسى أن اتسول حق دواء ولدى منهم، وانا من كنت طوال عمرى انفق عليهم وعلى أمى، وفكرت أن ابحث عن عمل لأعالج ابنى وأسدد مصروفات مدرسة ابنتى، لكن من سيرضى أن يوظف سيدة ابنها بهذة الحالة، طلبت من زوجى ان يسأل عن إجراءات العلاج على نفقة الدولة لكنه كسل كالعادة، لازال كلمات الطبيب وهو يوبخنى وينعتنى بـ"المهملة" لتخفيضى جلسات العلاج الطبيعى تعتصر قلبى، فهو لايعلم أن قلة المال هى السبب، فاض بى الكيل فتركت البيت، وكل مافعله زوجى تنازل عن شقة الزوجية لصاحب العقار وتحصل على باقى قيمة عقد الايجار الجديد وعاد الى حضن امه، اكثر ماآلمنى انه تخلى عنى بعد 10 سنوات لمجرد انه وجد "لقمة ونومه تانية"، اكثر من ثمانية اشهر ولم يسأل على طفليه او يرسل لهما مليم واحدا، حاولت بالحسنى لكنه رفض، فطرقت ابواب محكمة الاسرة لطلب نفقة للطفلين، وها أنا انتظر، شهور تمر وأنا بلا مال ، ولسد جوع طفلى اضطررت إلى التسول من المساجد ومن العباد حتى تنتهى إجراءات التقاضى فى دعوتى النفقة، وفى النهاية تلومون الزوجة إذا باعت نفسها كى تطعم أولادها".
"بين نارين"تتخطى"هناء" الباب الحديدى المفضى إلى الطابق الأول من المبنى القديم لمحكمة الأسرة بزنانيرى بخطوات ثقيلة، وبعين تتفحص أرجاء المكان بحثا عن ركن هادىء تغرق فيه بهمومها بعيدا عن أنظار المتطفلين، وبعد عناء تجد الزوجة الثلاثينية ضالتها فى كرسى معدنى قابع وحيدا فى طرقة طويلة أرضيتها خشنة ومتسخة وفى نهايتها أبواب خشبية متهالكة، تهرع السيدة الثلاثيينة صوبه وعلامات الارتياح ترتسم على ملامح وجهها الخمرى، ثم تسقط عليه بجسدها المنهك من التنقل بين أروقة المصانع بحثا عن بضعة جنيهات تسد بها جوع أطفالها الأربعة بعد أن تركهم والدهم ميسور الحال - حسب قولها- دون مال ولا سند وتفرغ للهث وراء نزواته وشهواته فى انتظار دورها لسحب أوراق دعوى نفقة صغارها..
تقول الزوجة فى بداية روايتها:"لم تمر فترة طويلة على طلاقى من زوجى الأول حتى اضطررت إلى الزواج ثانية من أول رجل تقدم لى لأتخلص من لعنات أهلى، هذة المرة كان تاجر إكسسوار سيارات، المال معه لا حدود له، وبلا تردد أطلقت صيحات قبولى، رغم علمى بزواجه من أخرى وإنجابه 7 أطفال، لكن من أنا حتى أرفض مثل هذا العريس ميسور الحال الذى سيغنينى عن عناء العمل ونظرة هذا وتطاول ذلك، وسيخرجنى من بيت أهلى الذى يعشش الفقر فى جنباته، والأهم أنه سيقبل بامرأة فى مثل ظروفى، امرأة فى عرف كثيرين درجة ثانية، وللإنصاف أنه ابتاع لى أثاث لم أنوله وأنا عذراء وزين ذراعى وعنقى بأساور وسلاسل من ذهب، وأسكننى فى بيت لم أكن أحلم يوما أن تطأه قدمى".
تغافل الزوجة الثلاثينية الدموع وهى تكمل روايتها حدلـ"صدى البلد":"مرت الخمس سنوات الأولى من حياتى مع هذا الرجل هادئة، رغم ماكان يشوبها من كلمات تتناقلها ألسنة الناس عن استقباله للساقطات فى غيابى، لكنى لم أكن أصدق أيا منها، قد يكون لأنه كان يجيد فن إخفاء سقطاته ويبرع فى أداء دور العاشق المخلص، لكن بعد إنجابي لأطفالي الثلاثة أسقط عنه هذا القناع وبات شخص فظ غليظ القلب، حينها استدعيت ماكنت أتجاهله دوما وبدأت أراقب رجلى لأتأكد من صحة الادعاءات، لاكتشف أننى قد عشت طيلة هذة الأعوام فى كذبة كبرى، الجميع كان يعلم تفاصيلها ويمصمص شفتيه ويقلب كفيه حزنا على وأنا كالبهاء، يومها رأيته وهو مستلقى عاريا فى فراشى وإلى جواره عشيقته، وحينما سألته لماذا فعل هذا بى، قال بنبرة متبجحة: "ده داء والمهم إنى مكفى بيتى ولو عايزة تعيشى مهما شفتى أسكتى"، فتركت له البيت وسريعا ماعدت بعد تعهداته أمام الجميع بالكف عن العبث بكرامتى، وكل هذا من أجل أطفالى، فمن سيتحملهم وأنا بلا مورد".
تشير الزوجة الثلاثينية إلى آثار جروح قديمة مطبوعة على يديها وغرز مرصوصة على جبينها العريض وهى تردف:"لكنه أخلف وعوده كما اعتاد وتكررت الخيانات، وفى آخر مرة خلعت عنى ثوب الصمت، فلم أتحمل أن أسمعه وهو يحدث إحدى عاهراته فى الهاتف ليلا، عاتبه واستحلفته أن يكف عن جرح أنوثتى، فانهال علي بعصاه الغليظة مدببة الأطراف" شومة"، ثم طردنى بملابس الداخلية أنا وأطفالى ليلا، ولم تحركه مشاهد الدماء المتفجرة من رأسى ووجهى وصراخ الصغار ولم يعبأ حتى بمصير الجنين الذى أحمله فى أحشائى والذى أبى تسجيله بعدما علم بنوعه، بعدها ذهبت إلى المشفى وخيطت رأسى 15 غرزة".
وتكمل:"طلبت الطلاق لكنه رفض وتركنى 3 سنوات بلا مال ولا مأوى، فأقمت دعوى نفقة لى ولصغارى، ولبطء إجراءات التقاضى عدت ثانية للعمل بالمصانع والخدمة فى بيوت العباد، واضطر ابنى الذى لم يكمل عامه العاشربعد، أن يبحث هو الآخر عن عمل يساعدنى به فى تسديد إيجار البيت الذى استأجرناه هربا من سوء معاملة أهلى، الغريب أنه يحاول الآن أن يعيدنى إليه بعد أن تزوج من الثالثة مقابل أن أتنازل عند دعوى النفقة، ويدعى أنه لايزال يعشقنى ولن يقبل أن يمسنى غيره".
تنهى الزوجة الحائرة حديثها وهى تزيح زفرات الدموع بطرف أكمام ملابسها السوداء الرثة:"لا أعرف ماذا أفعل هل أعود إليه وأقبل بشروطه، لكنه لن يتوب عن خيانتى، وماذا عن الأولاد، أعلم أن مصلحتهم مع أبيهم، وحبال المحاكم طويلة، وأعى أننى خاسرة فى كل الحالات ولوعدت إليه سأعود وأنا صاغرة ذليلة فقد كسرنى وحولنى إلى شبح امرأة، لكن على الأقل لن يمر عيد دون أن اشترى لهم ملابس جديدة ولن يأتى شهر رمضان وأنا أنتظر المال كى أطعمهم".
"أرقام وإحصائيات"
وتبين الأرقام والإحصائيات حجم المعاناة التى تعانيها السيدات بسبب البطىء فى إجراءات التقاضى فى دعاوى النفقات والتنفيذ، فبحسب رصد محاكم الأسرة تقدمت 17 ألف سيدة بشكاوى بسبب عدم تمكينهن من تنفيذ التحريات الخاصة بأحكام النفقة خلال عام 2015، فيما حرم ٣الاف طفل خلال العام الحالي من حقوقهم في النفقة بسبب قصور في التحريات، واشتكت أكثر من ٥ آلاف زوجة للشكوى من عدم تمكينهما من مسكن الزوجية رغم الأحكام القضائية، وبين رصد محاكم الأسرة أن أحوال أولاد المطلقين المعيشية بعد الطلاق ساءت بنسبة ٥٥٪ جراء التقاعس عن تنفيذ الأحكام، و40 % من الأولاد ضحايا الانفصال تسربوا من التعليم.