الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسرار عن "فيلسوف البسطاء" صلاح جاهين.. شاعر الثورة وراسم البهجة.. استباح طلاب الأزهر دمه وعبد الناصر أنقذه من الاعتقال

صدى البلد

"ليه يا حبيبتي ما بيننا دايما سفر- ده البعد ذنب كبير لا يغتفر - ليه يا حبيبتي ما بيننا دايما بحور- أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر- عجبي !!!"، هكذا عبر شاعر البسطاء بإحساسه المُرهف، الراحل صلاح جاهين عن حبه وعشقه لبلاده.

تمر الأيام وتعود إلينا من جديد ذكرى ميلاد الشاعر الكبير صلاح جاهين، الذي تميز ببساطته وتلقائيته في التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب يسهل فهمه واستيعابه، وهو ما جعله فارسًا يحلق برسومه وكلماته ويطوف بها بين مختلف طبقات الشعب المصري.

مولده
رغم أن ولادته يوم 25 ديسمبر من عام 1930، كانت متعثرة، وصارعت فيها والدته الحياة كي تنقذه من براثن الموت، إلا أنه ‏أصبح بعد ذلك طفلًا عاديًا للغاية، يحب الابتكار وصناعة الألعاب اليدوية الدقيقة، وإهدائها إلى أخواته ‏الفتيات وأصدقائه، بروح العطاء التي عرفت عنه وتجلت في ثنايا شعره.

زواج جاهين
تزوج صلاح جاهين مرتين، زوجته الأولى "سوسن محمد زكي" الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها أمينة جاهين وأبنه الشاعر ‏بهاء، ثم تزوج من الفنانة "منى جان قطان" عام 1967 وأنجب منها أصغر أبنائه سامية جاهين عضو فرقة إسكندريلا الموسيقية.

بدايته الفنية
بدأ صلاح جاهين حياته العملية في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير. وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه "كلمة سلام" في عام 1955. وفي منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة روز اليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، وغيرها من الشخصيات.

‏لقبه العديد بـ"فيلسوف البسطاء، شاعر الثورات"، الذي عشق الكلمات فابتدع منها ما يعجز الخيال ‏عن مضاهاته، وأراد أن يرسم البسمة على وجوه البشر فأطلق ريشته تبتدع من الرسوم الكاريكاتورية ‏المعبرة بنكهة كوميدية تُحفر في ذهن الناظر، ملخصًا كل ما آل إليه بكلمة "وعجبي"، ووصفه الأدباء والمفكرون والفنانون بأنه المبدع الذي لا يتكرر.

أزماته السياسية
لقد كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتورية مؤثرة للغاية، لدرجة أنها تسببت أكثر من مرة في أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ محمد الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام. كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب كاريكاتير، انتقد فيه تقريرا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.

كان صلاح جاهين على شفا دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة - نظرًا لما يعرف عنه من ميول يسارية ونقد للنظام - لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.

تخليده لـ"عبد الناصر"
كانت حركة الضباط الأحرار وثورة 23 يوليو 1952، مصدر إلهام لجاهين، حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليًا بأعماله، فقد سطر عشرات الأغاني، لكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خاصةً بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، أدت إلى إصابته باكتئاب، هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله وأبرزها الرباعيات، التي قدمت أطروحات سياسية تحاول كشف الخلل في مسيرة الضباط الأحرار، والتي يعتبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر.

وفاة "عبد الناصر" و"أم كلثوم"
كانت وفاة الرئيس عبد الناصر هي السبب الرئيسي لحالة الحزن والاكتئاب التي أصابته وكذلك السيدة أم كلثوم حيث لازمهما شعور بالانكسار لأنه كان الملهم والبطل والرمز لكرامة مصر، ولم يستعد بعدها جاهين تألقه وتوهجه الفني الشامل.

حبه لمصر
تميز بحبه الشديد لمصر حتى أنه بعد العدوان الإسرائيلي على مصر في 5 يونيو 1967 ‏أصابه اكتئاب شديد؛ لأنه اعتبر نفسه أحد المسئولين عن خداع المصريين بأغانيه، وسرعان ما تدهورت ‏حالته فسافر إلى مصحة علاجية في روسيا.‏

وقد مثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعري عند صلاح جاهين والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه "الرباعيات" عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه "قصاقيص ورق"، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين، ومنهم عبد الحليم حافظ مثل "صورة"، "بالأحضان"، "والله زمان يا سلاحي" الذي اتُخذ النشيد الوطني المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغيرها من الأعمال الوطنية التي بقيت راسخة في ذاكرة الشعب المصري.

أعماله السينمائية
أنتج العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل أميرة حبي أنا وفيلم عودة الابن الضال، ولعبت زوجته أدوار في بعض الأفلام التي أنتجها، وكتب سيناريو فيلم خلي بالك من زوزو والذي يعتبر أحد أكثر الأفلام رواجًا في السبعينيات إذ تجاوز عرضه حاجز 54 أسبوعا متتاليا.

وعلى الصعيد الأدبي، تجاوزت رباعيات جاهين مبيعات إحدى مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي وصلت إلى 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام، ولحنها الملحن الراحل سيد مكاوي وغناها الفنان علي الحجار.

وفاته
مرض جاهين ونُقل إلى المستشفى، ولم تتركه سعاد حسني لمدة خمسة أيام كانت تقرأ له القرآن وتدعوا له بالشفاء، إلى أن فارق الحياة في 21 إبريل عام 1986، ووقتها قالت: "الآن مات والدي ورفيق مشواري الفني وصديقي الغالي"، واكتأبت لعدة شهور ورفضت الخروج من منزلها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية وأجبرها الأطباء على تناول بعض الأدوية والعقاقير المضادة للاكتئاب.