الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوافذ الاستثمار وشبابيكه


منذ فترة طويلة وأنا أتفادى مشاهدة برامج التوك شو التى تناقش قضايا الاستثمار فى مصر , نفس الوجوه , نفس الكلام , نفس الوعود , نفس النتائج , نفس الفشل , لكن الاسبوع الماضى شاهدت بالمصادفة وجها جديدا بالنسبة لى من هيئة الاستثمار يتحدث عن قانون الاستثمار الجديد , ولفت انتباهى إصراره الشديد عند الرد على تساؤل المذيع عن تفعيل الشباك الواحد , على ان الهيئة أعدت ما هو افضل من الشباك الواحد , ألا وهو النافذة الواحدة.

وكانت هذه المعلومة العبقرية كفيلة بأن أرجع الى القناة السابقة التى كنت أشاهدها قبل ان أشاهد هذه الدقائق القليلة عن مستقبل الاستثمار وقانون الاستثمار الجديد فى مصر , فالضيف أبدع فى تكرار ما سبق وأن أعلنه كل من سبقوه ولكن بمسميات جديدة , وان كانت النتائج المتوقعة ليست بجديدة على الاطلاق , فنفس المقدمات تؤدى غالبًا الى نفس النتائج .

فمنذ تسعينيات القرن الماضى ونحن نتكلم عن ضمانات وحوافز الاستثمار , سنوات طوال ونحن نستضيف الرعيل الوحيد من المستثمرين فى مصر للحديث عن جهود الدولة وتشجيعها للاستثمار , نعقد المؤتمرات والندوات ونسجل المواقف ونُلقى الكلمات , ويبقى الواقع شاهدا على أنه لا جديد تحت الشمس , فما الحل ؟ وهل نحن بحاجة الى قانون جديد لتيسير الاستثمار فى مصر وبخاصة الاستثمارات الصغيرة والمتناهية الصغر بشكل خاص ؟ أم ماذا نحتاج ؟.

الأصل فى الأشياء هو الإباحة , أى أن كل شيء مباح ما لم يكن هناك مانع دينى أو قانونى أو أخلاقى , ولذا فإن الاستثمار وبخاصة الصغير ومتناهى الصغر فى كل دول العالم المتقدمة مباح ما لم يكن هناك مانع لنشاط ما أو ضابط ينظمه , ولذا تجد من السهل على أى شاب فى هذه الدول ان يستثمر أى مبلغ صغير يمتلكه فى امتلاك عمل خاص به , ودور الدولة هو تيسير عمله ومساعدته سواء بالدعم الفنى أو الدعم المادى , وهذا موجود فى أمريكا واليابان وفى الهند وفى غيرهم من الدول التى تعمل على تشجيع الاستثمار لا تكبيله بالقوانين .

أما فى الدول الطاردة للاستثمار فإن القوانين يتم صياغتها لتعطيل صغار المستثمرين عن امتلاك أى عمل خاص, فتجد القانون يصدر لُينظم عدد الجهات التى تتصارع على وأد الاستثمار الصغير والمتناهى الصغر , فالقانون يصدر لينظم عملية التعطيل لا التشجيع , وهو أقرب الى قانون العقوبات منه الى قانون التيسيرات , فلم نسمع يومًا عن قانون صدر ليقلص عدد مُطاردى المستثمر الصغير, أو حمايته من بطش العديد من الجهات التى وظيفتها هى عمل محاضر وفرض غرامات لإثبات أنهم يعملون بجد واجتهاد ليل نهار , فنجاح حملات التفتيش يتم قياسه بعدد المحاضر المحررة والغرامات المحصلة.

ولذا فإن الحل من وجهة نظرى لتشجيع الاستثمار وبخاصة الصغير ومتناهى الصغير , هو بإصدار قانون يُقلص عدد الموافقات وعدد الجهات التى تطارد المستثمر الصغير, لا استبدال تعبير الشباك الواحد بالنافذة الواحدة, قانون يسمح للمواطن العادى ان يبدأ النشاط الاقتصادى الذى درس جدواه واقتنع به متى شاء , أما الحديث عن استبدال الشباك الواحد بالنافذة الواحدة فهو كمن فسر الماء بالماء , وكما فشل الشباك الواحد ستفشل النافذة الواحدة لأنهما مترادفان لشيء واحد , ويسيران خلف فلسفة عمل واحدة .

ودعونا نستمع ولو مرة واحدة للشباب المقبل على العمل خاص , استمعوا لهم مباشرة , فهم أصحاب القضية , هم أصحاب الحاضر والمستقبل معًا , وليكن هناك حوار حقيقى مباشر معهم بأى وسيلة مناسبة, حوار مباشر دون وجود وسطاء نحن من صنعناهم فى غرفنا المغلقة , ووضعناهم فى كيانات وهمية لا تعبر لا عنهم ولا عن الواقع الذى يعيشه .

أتمنى أن أعيش حتى أرى شابا صغيرا قرر ان يفتتح مشروعا صغيرا أو متناهى الصغر دون ان يكون مضطرًا للحصول على موافقة سبع عشرة وزارة وهيئة مرة واحدة , وأن يجلس فى محل عمله دون خوف من مطاردة العديد من الجهات الرقابية التى أدمن موظفوها كتابة أوامر الاغلاق وتحرير المحاضر لعدم وجود موافقة أو أكثر , أو لمجرد إثبات أن الموظف نفذ خط سيره اليومى .

حرية بدء النشاط الاقتصادى , والعمل دون خوف , وعدم وجود قوانين تشترط موافقات لا جدوى منها للمشروعات هو ما يشجع الاستثمار فى مصر, أما تشريع قوانين جديدة تنظم عدد الجهات أو الموافقات دون تقليصها أو إلغائها, سيكون حديثا ورديا فى ليلة قمرية ساكنة , ما يلبث ان يختفى مع ضوء أول شعاع من شمس الواقع. المُحرقة .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط