تقدَّم المستشار ناجي عز الدين، نائب رئيس محكمة النقض، عضو مجلس إدارة نادي قضاة مصر، بمذكرة إلي رئاسة الجمهورية، نائبًا عن نادي القضاة، بأسباب رفض تعديل الفقرة الثانية من المادة 44 من قانون السلطة القضائية، والذي وافقت عليه اللجنة التشريعية بالنواب.
وجاء بالمذكرة، أن المشرع الدستوري حرص علي استقلال السلطة القضائية وحضانة أعضائها بنصوص صريحة واضحة لا لبس فيها أو غموض، استنادًا إلي أن ذلك هو الركيزة الأساسية لدعم نظام الدولة القائم علي سلطات ثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، وضمانة أساسية للحقوق والحريات في المجتمع، ووضع المشرع ذلك في إطار واضح ليحكم العلاقة بين تلك السلطات.
وأضافت المذكرة، أن المشرع جرم أي تعدي يحدث من إحدي السلطات علي السلطة القضائية حرصًا منه علي استقلالها، وأخذ المشرع في الاعتبار أن أي تغول من السلطتين التشريعية والتنفيذية علي بعضهما البعض يمكن منعه ورده من خلال الاحتكام إلي السلطة القضائية التي تملك وحدها سلطة الحكم، في حين لا يكون الأمر كذلك إذا ما تعدت هاتين السلطتين علي السلطة القضائية دون حمايتها، فوضع إطارا واضحا ليحميها من هذا التسلط أو التوغل.
وأشارت المذكرة، إلي أن المشرع أكد علي ذلك في نص المادة الخامسة من الدستور، والتي أكدت علي الفصل بين السلطات والتوازن بينهما، وكذلك في المادة 94 والتي جاءت حول" تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية للحقوق والحريات"، وكذلك في المادة 184 علي أن "السلطة القضائية مستقلة والتدخل في شئون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم"، وكذلك في المادة 185 "تقوم كل جهة أو هيئة قضائية علي شئونها ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها".
وكذلك جاء بالمادة 186 "القضاة مستقلون عير قابلين للعزل ويحدد القانون شروط وإجراءات تعينهم وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيدتهم ويحول دون تعارض المصالح"، وكذلك المادة 188 "يختص القضاء بالفصل في كافة المنازعات والجرائم ويدير شئونه مجلس أعلي ينظم القانون تشكيله واختصاصاته"، وكذلك في المادة 189 "النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء ويتولي النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلي".
وأضاف عز الدين في مذكرته، أنه متي كانت عبارات الدستور واضحة لا لبس فيها أنهيجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيا كان الباعث عن ذلك، ولا الخروج عن النص متي كان واضحًا جلي المعني قاطعًا علي الدلالة المراد بها.
وأشار إلي أنه هديًا بالنصوص الدستورية سالفة البيان، وباستقراء نصوص الدستور الأخري نجد أن، نص الدستور في المادة 139 علي "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ويلتزم بأحكام القانون"، ويترتب علي ذلك التزام رئيس الجمهورية في كل ما يصدره من قرارات بأحكام الدستور.
وأضاف أن نص الفقرةالثانية من المادة 44 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المعمول بها في وضعها الحالي، والتي تمنح رئيس الجمهورية الحق في تعيين رئيس محكمة النقض من بين نواب رئيس المحكمة غير دستوري، وذلك لكون رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية إذ انه بذلك لا يكون له الحق في تعيين رئيس محكمة النقض باعتبار أن الأخير رئيس السلطة القضائية، وهو الأمر الذي يستوجب معه تدخل المشرع لإجراء تعديل لهذا النص يتفق مع صحيح الدستور ولا ينال من ذلك من نص عليه في ذات النص سالف البيان من كون رئيس الجمهورية رئيس الدولة، طالنا أن صفته رئيسًا للسلطة التنفيذية تظل لصيقةمع صفته رئيسًا للدولة.
وتابعت المذكرة، أنه كذلك أن أي مقترح يتقدم به من أي جهةكانت لو كانت مجلس النواب، غير دستوري إذا تضمن ما يشير إلي أحقية رئيس الجمهورية في تعيين رئيس محكمة النقض، لأنهمخالف لمواد الدستور، ولهذا لا يجوز للسلطة التشريعية وهي تمارس اختصاصتها في سن التشريع أن تمس ثوابت الدستور التي منحها للسلطةالقضائية من أجل دعم استقلالها.
وأشارت المذكرة، إلى أن الأمر أكدته المحكمة الدستورية العليا حين قضت، أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو شئون العدالة.
وأضافت المذكرة، أنه وباستقرارنصوص الدستور، -علي نحو واضح- نجد أن المشرع لم يشأ أن يكون اختيار منصب النائب العام، وهو أحد أعضاء مجلس القضاء الأعلي ويتولي النيابة العامة التي هي بنص الدستور جزء من القضاء، وكذلك رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي منحه الدستور وأعضاء محكمته جميع الحقوق والضمانات المقررة لأعضاء السلطة القضائية، دون أن ينتقص من ذلك مما هو مقرر منها للسلطة القضائية بل إضافة المزيد أن وجدت لدي الهيئات الأخري.
وأضافت المذكرة، أنه الأمر يمكن معه القول بسريانه كذلك بالنسبه لاختيار رئيس محكمة النقض "رئيس السلطة القضائية" محكومًا بذات الإطار لا يجوز لسلطة أخري تشريعية أو تنفيذيه للحيد عنه، وباعتبار ان ذلك هو شأن من شئون العدالة يختص بها مجلس القضاء الأعلي ولا يجوز تنظيمه بأداة تشريعية أدني مرتبة من الدستور.
وأشارت المذكرة إلي أن سلطة التشريع وإن كان حقًا مقررًا للسلطة التشريعية بموجب الدستور، إلا أنه ليس حقًا مطلقًا عندما يتعلق الأمر بقوانين تمس السلطة القضائية واستقلالها واستقلال أعضائها، وتدخلًا في شئون العدالة، إذ تظل محكومة وهي تمارس هذا الحق بالمبادئ التي أرساهاالدستور للسلطة القضائية بموجب المواد 5 و94 و184 و185 و186 و188، فإذا ما خالفت السلطة التشريعية تلك المبادئ والضمانات المقررة للسلطة القضائية، كان ذلك خاضعًا لرقابة القضاء ليس بمنأي عنه.
وأضافت المذكرة، أن نص المادة185 من الدستور ولئن كان يشير ظاهرة أن رأي مجلس القضاء الأعلي غير ملزم للسلطة التشريعية بالنسبةللقوانين المنظمة لشئون الهيئة، إلا أن السلطة التشريعية تظل مقيدة كذلك عند نظرها هذا الرأي بالمبادئ والضمانات المقررة للسلطة القضائية ولا يمكن الالتفاف عليها أو الحيد عنها.
وتايعت، أن رأي مجلس القضاء الأعلي الذي يبديه بالنسبةلمشروعات القوانين المتعلقةبالقضاء، ولئن كان حقًا مقررًا بموجب الدستور إلا أنه حق أيضًا مقيد بألا يكون ما بيديه يحمل بين طياته ما يمس استقلال السلطة القضائية واستقلال أعضائها وحصانتهم، وإلا كان ذلك خاضعًا ايضًا لرقابة القضاء.
وأنهي المستشار ناجي عز الدين مذكرته، بقوله، لما كان بتبين بوضوح لنادي القضاة، أن الاتجاه السائد لدي الدولة ومجلس النواب هو عدم الرغبة في تعديل قانون السلطة القضائية في الوقت الراهن واختزال التعديل في المادة 44 فقط، فإن النادي يتقدم باقتراح لتعديل تلك المادة بما يحقق مزيدًا من استقلال القضاء ويحافظ علي الثوابت القضائية المستقرة، ومصححًا للعوار الدستوري الذي أصاب نص الفقرة الثانية من المادة 44 من قانون السلطة القضائية.
وأضاف عز الدين، أن الاقتراح يجعل اختيار رئيس محكمة النقض بيد مجلس القضاء الأعلي دون غيره، وليس رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية الذي تظل قراراته بشأن السلطة القضائية وأعضائها كاشفة لما قد يصدره مجلس القضاء الأعلي.