أفكار حاضنة للإرهاب

1)
في العام 1990 ، كنت طالبا في الصف الثاني الابتدائي، في إحدى مدارس مدينة مكة المكرمة ، وبعد عودتي من الفسحة ، وجدت شريكي في المقعد الدراسي ( بدر ) ، قد أمسك بكتابي ( كتاب اللغة العربية ) ، وأمسك بقلم (رصاص ) ، وأخذ يشد خطوطا علي رقبة كل انسان وحيوان مرسوم في ذلك الكتاب .
اندهشت بشدة ، وسألته :
لماذا يا بدر ؟
قال :
أنا أفعل ذلك من أجلك ، أنت تعرف أنك صديقي المقرب ، ربما في مصر لم يخبروك ، أنا أخاف عليك من عقاب الله ..
قلت :
نحن مازلنا صغارا، والله يحبنا ، نحن أحباب الله يا بدر ، لا تخشي شيئًا .
قال :
لا لا ، سيطلب منك الله في الدار الآخرة ، أن تبث الروح في تلك الصور ، وسيكون جزاؤك وقتها النار بلا شك، وسيسألك لماذا تركت صورًا علي أشكال مخلوقاته !!
مندهشًا قلت :
وأين سمعت هذا الكلام ؟ وما أدراك بصحته ؟
رد :
أنا متأكد من هذا الكلام ، لقد شرح لنا الشيخ ذلك في درس خاص ، بعد صلاة المغرب في المسجد ..
قلت :
ولماذا إذن الصور موجودة في الكتب من الأساس ؟! لو كانت حرامًا فلماذا سمح بها ؟ هل المملكة تخالف تعاليم الدين ؟!
رد بغضب :
لا دخل لي بحديثك ، كنت أود أنا أساعدك وأحميك .......
2)
في أحد الأيام كان يشرح لنا المدرس آية من القرآن الكريم تقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).
وكنت أتأمل أنه نفس المدرس الطيب اللطيف ، الذي كنا نحبه بشدة ، وكان دائمًا يلقي علينا ( النكات ) والقصص الفكاهية ، والتي دائمًا للأسف كانت عنصرية ، تسخر من الآخر كالهندي او البنغالي وأحيانًا المصري ، فكان نفس الشخص الذي ينصحنا بالبر لا يفعله .
3)
وفي إحدي المرات ونحن في الصف الرابع الابتدائي ، كنا نجلس في ( حوش المدرسة ) ، وبالطبع كان بدر موجودًا، ودار ناقش حول الفتيات ، كان زملائي يستمعون لي بإنصات شديد ، وأكاد أري في أعينهم وتعليقاتهم الدهشة، المليئة بالإثارة المبالغ فيها أحيانًا ، لمجرد حديثي عن أنه في مصر ؛ لا ترتدي الفتيات في المدرسة الابتدائي الحجاب ، أو أن هناك مدارس مشتركة مثلا ، أو أنك تستطيع التحدث إلي أي فتاة ، دون أن تكون فردًا من أسرتك.
بعد انتهاء الجلسة ، أخبرني بدر سرًا ، وهو أنه يحب فتاة ، ويتمني أن يعبر لها عن مشاعره ، وأنه متأكد من حبها له ، وبرر ذلك بأنها قالت له ذات مرة ( كيف حالك ؟ ) !!
بعد عدة أيام ، وجدته يحدثني عن الحور العين ، وتعدد الزوجات ، وأشياء أخرى متعلقة بذات الموضوع .
سألته :
هي لا تحبك ؟!
احمر وجهه خجلًا وحسرة وانصرف مسرعًا .
الخلاصة
اعتدنا دائمًا أن يقدم لنا رجل الدين المتشدد ؛ حلولًا لكل شيء ، ويدعي أنها من الدين ، فالأمراض النفسية مس من الشيطان ، ستشفي منها بمجرد سكب ماء قرأ عليه القرآن ، والاقتصاد موجود في الدين ، وعلم الفلك في الدين إلى آخره ....
هي مشكلة بالفعل ، لأنها دعوة واضحة للخروج من ركب الحضارة والتقدم ، دعوة للتخلي عن طريق العلم، والاعتراف بالعلوم الشرعية دون غيرها ، مسلكًا وسبيلا ، بل وأحيانًا الاعتماد علي بعض القصص الخرافية ، التي يصنعها بعض البشر ، وينسبونها لله سبحانه وتعالى ، وهو بريء مما يدعون .
وأنا أرى أن الدين هو وسلية أو طريقة لعبادة الله عز وجل ، وليس لك علاقة بطريقة الآخر في عبادته لله ، وهناك الكثير من النصوص المقدسة تبين ذلك بوضوح ( لكم دينكم ولي دين ) و ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ... لكن المصيبة الحقيقية ، تكمن في اعتماد المتطرفين على تصدير الدين كحل مادي لكل إخفاق ، وبالتالي يقول لك الشيخ المتشدد ( حل كل مشكلة في الآخرة يا عزيزي ) .