الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مكافحة المشروعات الصغيرة


المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر هى عصب أى اقتصاد قوى، ولكن ليس كل الناس يؤمنون بذلك، ومنهم بعض العاملين فى لجان التفتيش والمراقبة عليها، لذا تجد طريقة عمل هذه اللجان تبدو وكأنها تكافح وجود أو استمرار هذه المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، فما إن ينزل أحدها إلى أى شارع أو حى فى مصر حتى تجد المحلات والأنشطة الاقتصادية الصغيرة قد أغلقت أبوابها، ولاذ أصحابها بالفرار أو الوقوف أمام أبوابها المغلقة، لأنهم يعاملون أصحابها البُسطاء كمتهمين مُدانين إلى أن يثبت العكس.

فالهدف هو تحرير المخالفات لا منع حدوثها، وعمل المحاضر والإنذارات لا توجيه أصحابها، لأن هذه اللجان تكون مطالبة بكتابة تقرير عن نشاطها فى حملاتها هذه، كم محضر، وكم إنذار، وكم مخالفة وكم وكم وألف كم، المهم العدد، فلا أحد يسأل عن الكيف، فعلى سبيل المثال، لا يهم إن كانت المحاضر لسيدات فقيرات يبعن الجبن القريش على قارعة الطريق أو لمصانع ألبان كبرى، النتيجة بالنسبة لهم واحدة، محاضر تم تحريرها، إنه الكم وليس الكيف.

ولكل نشاط صغير أو متناهى الصغر مكافحوه، الذين يسمون أنفسهم مراقبيه، فيتساوى الشاب الصغير فى سايبر نت فى قرية مجهولة مثلًا، وشركة برمجيات عملاقة تقرصن منتجات دول، فالكل أمامهم سواء، والمكافأة على عمل محضر إغلاق تساوى بين الاثنين، وقس على ذلك معظم الأنشطة الصغيرة والمتناهية الصغر، ولذا الكل يعيش فى قلق، ويهرب الناس من فكر العمل الخاص للابتعاد عن المشاكل، والنتيجة تراجع اقتصادى وزيادة الأعباء على الحكومة.

وزيادة الأعباء على الحكومة ليس قاصرًا على الجانب الاقتصادى، بل يتعدى ذلك إلى الجانب السياسى، فصاحب المشروع الصغير أو المتناهى الصغر يرى الحكومة فى لجان التفتيش، فإن كانت لجانا معاونة فهو يرى الحكومة عادلة، وإن كانت لجان مكافحة لنشاطه المشروع فهو يرى الحكومة غير عادلة، أعلم أن ذلك تبسيط قد يخل بالأمور، لكنه الواقع لدى البعض.

ولذا مطلوب مراجعة فلسفة عمل لجان التفتيش والمراقبة والمتابعة للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وإخضاع هذه اللجان لرقابة صارمة من الجهات السيادية فى مصر، فبعض هذه اللجان يتسبب فى عزوف الشباب عن العمل الحر، ويفضلون الانتظار فى طابور البطالة الطويل على أن يغامروا بفتح مشروعات خاصة بهم، يضعهم تحت رحمة أو قسوة أعضاء لجان التفتيش.

أعلم تمامًا أن هذا الموضوع قديم والبعض يكاد يكون قد اعتاد عليه، لأنه وضع قائم منذ سنوات طويلة، ولكنه اليوم بات بحاجة إلى مواجهة جادة وحقيقية بسبب الوضع الاقتصادى الصعب الذى نعيشه، وأستطيع أن أقول بكل ثقة إن إصلاح هذا الوضع الخاطئ سيؤدى إلى انتعاش اقتصادى حقيقى لعدة أسباب متداخلة ويقوى بعضها بعضًا.

فمنح أصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر حرية العمل دون خوف سيؤدى إلى إقبال الناس عليها، وبالتالى سيؤدى إلى اتساع القاعدة الاقتصادية الحقيقية فى مصر، وزيادة فرص العمل الحقيقية، وكلما زاد عدد أصحاب الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر كلما ارتقى المستوى المعيشى للسكان، وكلما وصل الاقتصاد الكلى للدولة إلى مرحلة الاستقرار ثم النمو ثم الازدهار، هذه هى قواعد الواقع، فاتساع وضيق القاعدة الاقتصادية هو الذى يتحكم فى قوة أو ضعف الاقتصاد الحقيقي فى أى مكان فى العالم من حولنا.

ونظرة إلى الدول القوية اقتصاديًا كالصين أو ماليزيا أو اليابان أو الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر تؤكد صحة تفسيرى، فهذه الدول تتمتع بقاعدة عريضة من أصحاب المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة على حد سواء، فكلما زادت نسبة السكان أصحاب الأعمال كلما زادت قوة الاقتصاد، والعكس صحيح، فحتى داخل الدولة الواحدة، تجد المنطقة التى بها نسبة عالية من السكان فاعلين فى الاقتصاد أفضل معيشيًا من باقى المناطق.

ومن هنا أتمنى أن تراجع مؤسسة الرئاسة والجهات السيادية آلية وفلسفة الرقابة والتفتيش على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى مصر، ودراسة الحوافز التى يمكن أن يتم منحها لها، من أجل اقتصاد مصرى قوى، مبنى على قاعدة اقتصادية عريضة، وليس اقتصادا قائما على نشاط اقتصادى لعدة عائلات بعينها أو عدد محدود من السكان فى كل محافظة أو مدينة أو قرية مصرية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط